393ـ خطبة عيد الفطر: هذا اليوم يوم وفاء وإخاء

393ـ خطبة عيد الفطر: هذا اليوم يوم وفاء وإخاء

 

 393ـ خطبة عيد الفطر: هذا اليوم يوم وفاء وإخاء

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، هذا اليَومُ هوَ من أَشرَفِ الأَيَّامِ، أَوجَبَ اللهُ تعالى فِيهِ الفِطْرَ، وحَرَّمَ الصِّيَامَ، كما أَوجَبَ الصِّيَامَ في شَهرِ رَمَضَانَ، وحَرَّمَ الفِطْرَ.

هذا اليَومُ هوَ يَومُ شُكْرٍ للهِ تعالى بأن وَفَّقَنَا لِصِيَامِ شَهرِ رَمَضَانَ ولِقِيَامِهِ، ونَرجُوهُ تعالى أن نَكُونَ مِمَّن أعتَقَهُم من النِّيرَانِ، فَيَومُ العِيدِ يَومُ شُكرٍ للهِ تعالى، لا يَومَ لَهوٍ وعِصيَانٍ للهِ تعالى.

فما هذا عَمَلُ الخَائِفِينَ:

يَا عِبَادَ اللهِ، مَرَّ بَعضُ الصَّالِحِينَ على أُنَاسٍ يَلهُونَ ويَلعَبُونَ أَيَّامَ العِيدِ، فَقَالَ لَهُم: عَجَبَاً لَكُم! إنْ كَانَ اللهُ قد تَقَبَّلَ صِيَامَكُم، فما هذا عَمَلُ الشَّاكِرِينَ، وإنْ كَانَ لم يَتَقَبَّلْهُ مِنكُم، فما هذا عَمَلُ الخَائِفِينَ.

يَا عِبَادَ اللهِ، الحَمدُ للهِ الذي مَنَّ عَلَينَا بأن بَلَّغَنَا أَوَّلَ رَمَضَانَ وآخِرَهُ، ومَنَّ عَلَينَا بِصِيَامِهِ وقِيَامِهِ، فالفَضْلُ للهِ تعالى الذي شَرَحَ الصُّدُورَ للإسلامِ، وحَبَّبَ إلى القُلُوبِ الإيمَانَ، الفَضْلُ للهِ تعالى على من صَامَ وقَامَ، ورَحِمَ اللهُ تعالى من قَالَ: من تَمَامِ فَضْلِهِ عَلَيكَ، أنْ خَلَقَ فِيكَ ونَسَبَ إلَيكَ.

ثمَّ بَعدَ ذلكَ تَمَّمَ اللهُ تعالى الفَضْلَ على عِبَادِهِ الصَّائِمِينَ القَائِمِينَ بالفَوزِ بِرِضوَانِهِ، والنَّجَاةِ من نِيرَانِهِ، قال تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. وقال تعالى: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾.

هَنِيئَاً لمن رَبِحَ رَمَضَانَ:

يَا عِبَادَ اللهِ، هَنِيئَاً لمن رَبِحَ رَمَضَانَ، وخَرَجَ مِنهُ بالطَّاعَةِ والغُفرَانِ، وجَبَرَ اللهُ مُصَابَ من خَسِرَ رَمَضَانَ، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ».

فيا من خَرَجتَ من شَهرِ رَمَضَانَ، وكَانَ شَاهِدَاً لَكَ لا عَلَيكَ، كُنْ حَرِيصَاً على أن لا تَهدِمَ صَرحَاً بَنَيتَهُ، وكُنْ حَرِيصَاً على كَنزٍ عَظِيمٍ أن تُفَرِّطَ فِيهِ، فإذا ما سَوَّلَت لَكَ نَفسُكَ التَّفرِيطَ في جَنبِ اللهِ تعالى، ودَعَتْكَ إلى مَعصِيَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قُلْ لَهَا: إنَّ رَبَّ رَمَضَانَ هوَ رَبُّ الشُّهُورِ كُلِّهَا، فَكَيفَ أُطِيعُهُ في شَهرِ رَمَضَانَ وأَعصِيهِ في غَيرِهِ؟

قُلْ لَهَا: إنَّ الأُمُورَ بِخَوَاتِيمِهَا،  فإنِّي أَخَافُ إن عَصَيتُ رَبِّي عَذَابَ يَومٍ عَظِيمٍ، إنِّي أَخَافُ أن يُختَمَ لي على مَعصِيَةٍ، إنِّي أَخَافُ أن يُختَمَ لي على أكْلِ أموالِ النَّاسِ بالبَاطِلِ، إنِّي أَخَافُ أن يُختَمَ لي على فَاحِشَةٍ من الفَوَاحِشِ، إنِّي أَخَافُ أن يُختَمَ لي على كَبِيرَةٍ من الكَبَائِرِ.

قُلْ لَهَا: اِسمَعِي قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

قُلْ لَهَا: اِسمَعِي قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً﴾.

هذا اليَومُ يَومُ وَفَاءٍ وإخَاءٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ، إنَّ يَومَ الفِطْرِ بَعدَ أَدَاءِ رُكنٍ عَظِيمٍ من أَركَانِ هذا الدِّينِ هوَ يَومُ وَفَاءٍ، ويَومُ صِدْقٍ، ويَومُ إخَاءٍ، ويَومُ صَفَاءٍ، يَتَلاقَى النَّاسُ فِيهِ بِنُفُوسٍ طَيِّبَةٍ فِيما بَينَ بَعضِهِمُ البَعضِ، ويَومُ صَلاحِ ذاتِ البَينِ، ويَومُ صِلَةِ الأرحَامِ، ويَومُ الإحسَانِ إلى الفُقَرَاءِ والمَسَاكِينِ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، اِسمَعُوا لِنِدَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هذا اليَومِ العَظِيمِ لَعَلَّكُم تَجِدُونَ حَيَاةً طَيِّبَةً في دُنيَاكُم، ويَجزِيَكُمُ اللهُ أَجرَكُم بأَحسَنِ ما كُنتُم تَعمَلُونَ.

روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ».

واسمَعُوا قَولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» رواه الشيخان عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وقولوا بَعدَ السَّمعِ: سَمِعنَا وأَطَعنَا؛ ولا تَقُولُوا بِلِسَانِ الحَالِ: سَمِعنَا وعَصَينَا، ولا تُوصِدُوا الأَبوَابَ أَمَامَ ما قَدَّمتُمُوهُ من خَيرٍ في شَهرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً، إِلَّا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا».

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِمَحَابِّكَ كُلِّهَا. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الاثنين: 1/شوال /1435هـ، الموافق: 28/تموز / 2014م

 2014-07-28
 5379
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 202 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 202
12-04-2024 899 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 899
09-04-2024 604 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 604
04-04-2024 709 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 709
28-03-2024 628 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 628
21-03-2024 1123 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1123

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413741695
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :