الوسائل المعينة على غض البصر

11412 - الوسائل المعينة على غض البصر

12-08-2021 854 مشاهدة
 السؤال :
لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْكُمْ مِنْ أَسْبَابِ الخُشُوعِ في الصَّلَاةِ غَضُّ البَصَرِ، كَيْفَ أَفْعَلُ في زَمَنٍ كَثُرَتْ فِيهِ الكَاسِيَاتُ العَارِيَاتُ في الشَّوَارِعِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11412
 2021-08-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولًا: لَقَدْ أَمَرَ اللهُ تعالى المُؤْمِنِينَ بِغَضِّ البَصَرِ عَمَّا حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ دُونَ مَا أَبَاحَ لَهُمْ رُؤْيَتَهُ، فَإِذَا وَقَعَ البَصَرُ عَلَى مُحَرَّمٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَجَبَ صَرْفُهُ عَنْهُ سَرِيعًا، لِأَنَّ البَصَرَ هُوَ البَابُ الأَوَّلُ إلى القَلْبِ وَرَائِدُهُ.

وَغَضُّ البَصَرِ وَاجِبٌ عَنْ جَمِيعِ المُحَرَّمَاتِ، وَكُلِّ مَا تُخْشَى الفِتْنَةُ مِنْهُ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾.

وَهَذِهِ الآيَةُ أَكْبَرُ دِلِيلٍ عَلَى وُجُوبِ مَنْعِ اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، فَلَو كَانَ الاخْتِلَاطُ جَائِزًا شَرْعًا، لَكَانَ تَكْلِيفُ غَضِّ البَصَرِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، فَالآيَةُ الكَرِيمَةُ في مَدْلُولِهَا تَنْهَى عَنِ الاخْتِلَاطِ وَتُحَرِّمُهُ.

ثانيًا: لَقَدْ بَيَّنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وُجُوبَ صَرْفِ النَّظَرِ إذَا وَقَعَ عَلَى مُحَرَّمٍ، روى أبو داود والترمذي عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «يَا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ».

وروى الإمام أحمد عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ، فَأَمَرَنِي فَقَالَ: «اصْرِفْ بَصَرَكَ».

ثالثًا: الوَسَائِلُ المُعِينَةُ عَلَى غَضِّ البَصَرِ:

1ـ اسْتِحْضَارُ اطِّلَاعِ اللهِ تعالى عَلَيْكَ، وَأَنَّ اللهَ تعالى رَقِيبٌ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَهُوَ مُحِيطٌ بِكَ، وَ ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾.

2ـ الاسْتِعَانَةُ بِاللهِ تعالى وَالانْطِرَاحُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَدُعَاؤُهُ، قَالَ تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.

3ـ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ جَارِحَةَ البَصَرِ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تعالى تُوجِبُ الشُّكْرَ، وَمِنْ شُكْرِ اللهِ تعالى عَلَيْهَا غَضُّ البَصَرِ، وَإِلَّا قَدْ يُضَيِّعُ العَبْدُ هَذِهِ النِّعْمَةَ، بِسَبَبِ النَّظَرِ بِهَا إلى مُحَرَّمٍ.

4ـ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ، وَتَعْوِيدُهَا عَلَى غَضِّ البَصَرِ، وَالصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».

5ـ أَنْ تَعْلَمَ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّهُ لَا خَيَارَ لَكَ في هَذَا الأَمْرِ مَهْمَا كَانَتِ الظُّرُوفُ وَالأَحْوَالُ، وَمَهْمَا دَعَاكَ دَاعِي السُّوءِ، وَمَهْمَا تَحَرَّكَتْ نَفْسُكَ إلى مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى، وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَحْتَجَّ بِفَسَادِ الوَاقِعِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.

6ـ الإِكْثَارُ مِنَ النَّوَافِلِ وَالقُرُبَاتِ، وَخَاصَّةً الصَّوْمَ، لِقَوْلِ الصَّادِقِ الأَمِينِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

7ـ الخَوْفُ مِنْ سُوءِ الخَاتِمَةِ، مَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا انْتَهَى أَجَلُكَ وَأَنْتَ تَتَعَمَّدُ النَّظَرَ إلى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

8ـ صُحْبَةُ الأَخْيَارِ أَهْلِ التَّقْوَى وَالصَّلَاحِ، فَهُمْ سِيَاجٌ لَكَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

يَجِبُ عَلَى المُؤْمِنِ عَضُّ البَصَرِ مَا اسْتَطَاعَ إلى ذَلِكَ سَبِيلًا، لِأَنَّ النَظَرَةَ دَاعِيَةٌ إلى فَسَادِ القَلْبِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام الحاكم عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٌ فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ».

وَلَا يَسَعُ العَبْدَ في هَذِهِ الآوِنَةِ إِلَّا الاسْتِجَابَةَ لِأَمْرِ اللهِ تعالى، وَحِفْظَ حُدُودِ اللهِ تعالى، وَعَلَيْهِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ في أَنْ يَحْفَظَهُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ، وَحَاشَا لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْ هَذَا العَبْدِ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَكَلَامُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحْيٌ لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ، وَوَعْدُهُ لَا يُخْلَفُ. هذا، والله تعالى أعلم.

854 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مشكلات الشباب

 السؤال :
 2023-12-29
 156
هَلْ مِنْ حَرَجٍ في حَدِيثِ الشَّبَابِ مَعَ الشَّابَّاتِ عَلَى أَجْهِزَةِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ كِتَابَةً فَقَطْ، دُونَ صَوْتٍ وَصُورَةٍ؟
رقم الفتوى : 12881
 السؤال :
 2023-07-13
 483
أَنَا شَابٌّ في العِشْرِينَاتِ مِنْ عُمُرِي، أَعْمَلُ في مُؤَسَّسَةٍ، تَعَرَّفْتُ عَلَى فَتَاةٍ مُتَزَوِّجَةٍ، حَتَّى أَصْبَحْنَا لَا نَسْتَطِيعُ فِرَاقَ بَعْضِنَا، وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ عَامٌ كَامِلٌ، وَأَكَادُ أَنْ أَفْقِدَ عَقْلِي مِنْ هَذِهِ الجَرِيمَةِ التي وَقَعْتُ فِيهَا، فَمَاذَا أَصْنَعُ؟
رقم الفتوى : 12643
 السؤال :
 2023-02-02
 671
أَنَا شَابٌّ أَعْمَلُ في الجَامِعَةِ، وَأَكْرَمَنِي اللهُ تعالى بِحُسْنِ الهَيْئَةِ، وَعَمَلِي فِيهِ اخْتِلَاطٌ مَعَ النِّسَاءِ، وَأَخْشَى مِنَ العَلَاقَاتِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ، فَمَا الحِيلَةُ؟
رقم الفتوى : 12377
 السؤال :
 2022-08-22
 491
أَنَا شَابٌّ ابْتُلِيتُ بِالعَادَةِ السِّرِّيَّةِ، وَأُرِيدُ أَنْ أَتَخَلَّصَ مِنْهَا، وَأَتُوبَ إلى اللهِ تعالى، لِأَنَّهَا أَصْبَحَتْ وَبَالًا عَلَيَّ، فَمَاذَا أَفْعَلُ؟
رقم الفتوى : 12136
 السؤال :
 2021-08-29
 1601
فَتَاةٌ تَعَرَّفَ عَلَيْهَا شَابٌّ وَتَعَلَّقَ بِهَا تَعَلُّقًا شَدِيدًا، وَشَعَرَتِ الفَتَاةُ بِالخَطَأِ الفَاحِشِ التي ارَتَكَبَتْهُ مِنْ خِلَالِ صِلَتِهَا بِهِ، فَقَطَعَتِ الصِّلَةَ مَعَهُ، فَهَدَّدَهَا إِنْ لَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ فَسَوْفَ يَنْتَحِرُ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ العَيْشَ بِدُونِهَا، فَمَاذَا تَفْعَلُ؟
رقم الفتوى : 11451
 السؤال :
 2021-02-22
 2546
أَنَا شَابٌّ مُبْتَلًى بِالنَّظَرِ إلى الأَفْلَامِ الإِبَاحِيَّةِ، دُونَ أَنْ يَرَانِي أَحَدٌ، فَمَا هِيَ نَصِيحَتُكَ لِي؟
رقم الفتوى : 10967

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413925969
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :