إذًا لماذا يحصل الطلاق؟

11743 - إذًا لماذا يحصل الطلاق؟

24-01-2022 182 مشاهدة
 السؤال :
إِذَا كانَ ربُّنَا عَزَّ وَجَلَّ جعَلَ المَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ في قَلْبَيِ الزَّوْجَيْنِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾. فَلِمَاذَا يَحْصُلُ الطَّلَاقُ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11743
 2022-01-24

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَنَا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا، فَقَالَ: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.

وَقَالَ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

وروى أَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسِنُوا جِوَارَ نِعَمِ اللهِ، لَا تُنَفِّرُوهَا، فَقَلَّمَا زَالَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ» . هَذَا أولًا.

ثانيًا: يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا في أَقْوَالِهِ، وَأَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ، فَعِنْدَمَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ وَعَدَ وَلِيَّ زَوْجَتِهِ، وَوَعَدَهُ هُوَ عَلَى الالْتِزَامِ بِكِتَابِ اللهِ تعالى وَبِسُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَلَو صَدَقَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا قَالَا، وَوَفَّى كُلٌّ مِنْهُمَا بوَعْدِهِ وَعَهْدِهِ، لَضَمِنَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى لَهُمَا الحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ في الدُّنْيَا، وَالجَزَاءَ الأَوْفَى في الآخِرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

ثالثًا: وَعْدُ اللهِ آتٍ لَا مَحَالَةَ، وَحَاشَا لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْلِفَ وَعْدَهُ ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا﴾ ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾.

رابعًا: حَذَّرَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَوَاللهِ لَو أَنَّ كُلًّا مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَأَوْلَيَاءَهُمَا صَدَقُوا فِيمَا قَالُوا لزَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلًّا مِنَ الزَّوْجَيْنِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، أَلَيْسَ هُوَ القَائِلَ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾

لَو نَظَرْنَا بِشَكْلٍ عَامٍّ إلى اللِّقَاءِ الأَوَّلِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لَمَا سَأَلْنَا: لِمَاذَا يَحْصُلُ الطَّلَاقُ، وَتَنْقَلِبُ المَوَدَّةُ إلى بُغْضٍ، وَالرَّحْمَةُ إلى قَسْوَةٍ؟

بِشَكْلٍ عَامٍّ يَكُونُ اللِّقَاءُ الأَوَّلُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى مَعْصِيَةٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ بِالجُرْأَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللهِ تعالى، وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

عِنْدَمَا تُزَفُّ العَرُوسُ إلى صَالَةِ الأَفْرَاحِ، تُزَفُّ بِحُضُورِ فِرْقَةٍ نُحَاسِيَّةٍ مِنَ الرِّجَالِ لِزَفِّهَا إلى صَالَةِ الأَفْرَاحِ، وَالنَّاسُ في الشَّارِعِ يَجْتَمِعُونَ لِيَشْهَدُوا كَيْفَ تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ أَهْلِهَا إلى صَالَةِ الأَفْرَاحِ مَعَ وُجُودِ الفِرْقَةِ النُّحَاسِيَّةِ.

ثُمَّ يَذْهَبُ العَرِيسُ مَعَهَا إلى صَالَةِ الأَفْرَاحِ، وَيَدْخُلُ عَلَى حَفْلِ النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءُ مُتَجَمِّلَاتٌ مُتَزَيِّنَاتٌ، وَهُنَاكَ يَقُومُ كُلٌّ مِنَ العَرُوسَيْنِ بِالرَّقْصِ وَالمُغَنِّيَةُ تُغَنِّي لَهُمَا، وَالنِّسَاءُ يُصَفِّقْنَ لَهُمَا، وَيَتِمُّ تَثْبِيتُ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ بِالكَامِيرَاتِ وَالتَّصْوِيرِ.

ثُمَّ يَزْعُمُ الرَّجُلُ أَنَّهُ عَادَ إلى حَفْلِ الرِّجَالِ لِيَحْضُرَ لَيْلَةَ زِفَافِهِ عَلَى أَنَّهُ حَفْلُ مَوْلِدٍ بِمَدِيحِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفي المَوْلِدِ قَلَّمَا تَسْمَعُ مَدِيحَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ وُجِدَ المَدْحُ رَأَيْتَ  الدُّخَانَ وَالأَرَاكِيلَ قَدْ عَمَّتْ صَالَةَ الأَفْرَاحِ، مَعَ الرَّقْصِ مِنْ شَبَابٍ مُخَنَّثٍ، بِحِلَاقَاتٍ لِشُعُورِهِمْ لَا تُرْضِي اللهَ تعالى، وَلَا تُرْضِي رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَإِذَا تَكَلَّمَ طَالِبُ العِلْمِ في حَفْلِ الزِّفَافِ فَلَا سَمَاعَ لِكَلَامِهِ، وَإِنْ نَصَحَ فَلَا سَمَاعَ لِنُصْحِهِ، وَلِسَانُ المَقَالِ يَقُولُ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَلِسَانُ الحَالِ يَقُولُ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا.

وَبَعْدَ الانْتِهَاءَ مِنَ الحَفْلِ الذي يُسَمِّيهِ النَّاسُ مَوْلِدًا يَعُودُ العَرِيسُ إلى مَا بَدَأَ بِهِ مِنِ ارْتِكَابِ المَعْصِيَةِ، يَعُودُ إلى عُرْسِ النِّسَاءِ مَعَ وَالِدِهِ، وَرُبَّمَا مَعَ إِخْوَتِهِ لِيَدْخُلُوا عَلَى حَفْلِ النِّسَاءِ، وَيَتِمُّ الرَّقْصُ وَالتَّصْفِيقُ مِنَ النِّسَاءِ لَهُمْ، وَتَثْبِيتُ المَعْصِيَةِ وَالمُنْكَرِ بِالتَّصْوِيرِ.

وَمِثْلُ هَذَا الفِعْلِ يَكُونُ عِنْدَ تَلْبِيسِ الذَّهَبِ للعَرُوسِ، اخْتِلَاطٌ، وَكَشْفُ عَوْرَاتٍ، وَمُخَالَفَاتٌ شَرْعِيَّةٌ.

وَبَعْدَ كُلِّ هَذِهِ الجُرْأَةِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى نَقُولُ: لِمَاذَا يَحْصُلُ الطَّلَاقُ بَعْدَ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ؟

لِيَذْكُرْ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَأَوْلِيَائِهِمَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

أُنَاشِدُكُمُ اللهَ يَا أَيُّهَا الأَزْوَاجُ، يَا أَوْلِيَاءِ الأَزْوَاجِ، وَأَقُولُ لَكُمْ: اتَّقُوا اللهَ اتَّقُوا اللهَ اتَّقُوا اللهَ تعالى، وَلَا تُخَادِعُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَتَنَاقَضُوا بَيْنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، وَلَا تَقُولُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَبِأَفْعَالِكُمْ وَبِلِسَانِ حَالِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

182 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2023-12-29
 1270
اتَّصَلَتِ امْرَأَةٌ بِمُدِيرِهَا تُبَارِكُ لَهُ بِمَوْلُودٍ جَاءَهُ، فَرَدَّ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ يُحِبُّهَا مُنْذُ أَنْ عَرَفَهَا، وَطَلَبَ مِنْهَا أَنْ يَزُورَهَا في زِيَارَةً خَاصَّةً، فَمَاذَا تَفْعَلُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ وَمُحَافِظَةٌ؟
رقم الفتوى : 12878
 السؤال :
 2023-12-29
 257
لَقَدْ دَعَانَا الإِسْلَامُ إلى العَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ المُسِيءِ، أَلَا تَرَى في ذَلِكَ ضَيَاعًا لِكَرَامَةِ الإِنْسَانِ؟
رقم الفتوى : 12876
 السؤال :
 2023-12-11
 612
أَنَا طَالِبُ عِلْمٍ، وَأَدْرُسُ الشَّرِيعَةَ، وَلَكِنَّ نَظْرَةَ المُجْتَمَعِ وَالأَقَارِبِ نَظْرَةٌ دُونِيَّةٌ، وَيَقُولُونَ: إِنَّنِي إِنْسَانٌ مُتَخَلِّفٌ، وَيُسْمِعُونِي كَلَامًا جَارِحًا، وَوَالِدِي مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، يَرَى الأَخْطَاءَ، فَأَقُولُ لَهُ: قَدِّمِ النُّصْحَ لَهُمْ، فَيَقُولُ: لَا شَأْنَ لَنَا مَعَ أَحَدٍ، فَبِمَ تَنْصَحُنِي؟
رقم الفتوى : 12849
 السؤال :
 2023-07-13
 2880
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ مُعَلِمَ الصِّبْيَانِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟
رقم الفتوى : 12644
 السؤال :
 2023-07-13
 1268
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ المَحْرُومَ مِنَ الوَلَدِ إِذَا لَازَمَ الاسْتِغْفَارَ يُكْرِمُهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِذُرِّيَّةٍ صَالِحَةٍ؟
رقم الفتوى : 12642
 السؤال :
 2023-03-25
 7561
امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ، ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةَ الزِّنَا، وَتُرِيدُ أَنْ تَتُوبَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا، وَتَتَزَوَّجَ مِنَ الزَّانِي بِهَا، لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ تَوْبَتَهَا؟
رقم الفتوى : 12474

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414273256
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :