الدعاء على من ظلم المسلمين

12331 - الدعاء على من ظلم المسلمين

25-12-2022 798 مشاهدة
 السؤال :
هَلْ يَجُوزُ الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ ظَلَمَ المُسْلِمِينَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12331
 2022-12-25

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾.

يَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الآْيَةِ أَنَّ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَنْتَصِرَ مِنْ ظَالِمِهِ، وَلَكِنْ مَعَ اقْتِصَادٍ، إِنْ كَانَ الظَّالِمُ مُؤْمِنًا، كَمَا قَال الْحَسَنُ.

وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَأَرْسِلْ لِسَانَكَ وَادْعُ بِمَا شِئْتَ مِنَ الْهَلَكَةِ وَبِكُلِّ دُعَاءٍ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَال: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ؛ سَمَّاهُمْ؛ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعُمَارَةَ بْنِ الوَلِيدِ»

وَإِنْ كَانَ مُجَاهِرًا بِالظُّلْمِ دَعَا عَلَيْهِ جَهْرًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِرْضٌ مُحْتَرَمٌ، وَلَا بَدَنٌ مُحْتَرَمٌ، وَلَا مَالٌ مُحْتَرَمٌ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سُرِقَتْ مِلْحَفَةٌ لَهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مَنْ سَرَقَهَا.

فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ».

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَا تُسَبِّخِي: أَيْ لَا تُخَفِّفِي.

قَال النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: اعْلَمْ أَنْ هَذَا الْبَابَ وَاسِعٌ جِدًّا، وَقَدْ تَظَاهَرَ عَلَى جَوَازِهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَفْعَالُ سَلَفِ الأُمَّةِ وَخَلَفِهَا، وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ عَنِ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ بِدُعَائِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ.

وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَال يَوْمَ الأَحْزَابِ: «مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» وَهِيَ صَلَاةُ العَصْرِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ».

قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ.

قَالَ: «لَا اسْتَطَعْتَ» مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ.

قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ.

قَال النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: هَذَا الرَّجُل هُوَ بُسْرٌ ـ بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ـ ابْنُ رَاعِي الْعِيرِ الأَشْجَعِيُّ، صَحَابِيٌّ، فَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ خَالَفَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَال: شَكَا أَهْل الْكُوفَةِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَل عَلَيْهِمْ. . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَال: أَرْسَل مَعَهُ عُمَرُ رِجَالًا أَوْ رَجُلًا إِلَى الْكُوفَةِ يَسْأَل عَنْهُ، فَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلَّا سَأَل عَنْهُ وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَل مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَال لَهُ: أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ فَقَال: أَمَّا إِذَا نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَعْدِل فِي الْقَضِيَّةِ.

قَال سَعْدٌ: أَمَا وَاللهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِل عُمُرَهُ، وَأَطِل فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ.

فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: شَيْخٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ.

قَال عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ الرَّاوِي عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ فَيَغْمِزُهُنَّ. رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَعَنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، خَاصَمَتْهُ أَرْوَى بِنْتُ أَوْسٍ ـ وَقِيلَ: أُوَيْسٍ ـ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَادَّعَتْ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا، فَقَال سَعِيدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ: مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهَ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ».

قَالَ مَرْوَانُ: لَا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا.

فَقَال سَعِيدٌ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا.

قَال: فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، وَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ. رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالدُّعَاءُ عَلَى مَنْ ظَلَمَ المُسْلِمِينَ جَائِزٌ شَرْعًا، بِقَدْرِ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ ظُلْمِهِ، وَلَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ بِالكُفْرِ، لِأَنَّهُ فَوْقَ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ الظُّلْمِ.

وَالتَّوَرُّعُ عَنِ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ، لِقَوْلِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الدُّعَاءُ قِصَاصٌ وَمَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَمَا صَبَرَ يُرِيدُ أَنَّهُ انْتَصَرَ لِنَفْسِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدِ انْتَصَرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. هذا، والله تعالى أعلم.

 

798 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الدعاء وآدابه

 السؤال :
 2022-06-07
 614
مَا الأَدْعِيَةُ التي تَقِي الإِنْسَانَ مِنَ العَيْنِ؟
رقم الفتوى : 11986
 السؤال :
 2022-02-11
 961
هَلْ هُنَاكَ دُعَاءٌ خَاصٌّ لِشَخْصٍ نُحِبُّهُ، مِنْ أَجْلِ هِدَايَتِهِ إلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ؟
رقم الفتوى : 11783
 السؤال :
 2022-01-20
 505
هَلْ تُوجَدُ أَدْعِيَةٌ خَاصَّةٌ للوِقَايَةِ مِنَ الفِتَنِ؟
رقم الفتوى : 11726
 السؤال :
 2021-07-05
 1429
أَلَا يُوجَدُ دُعَاءٌ لِطَرْدِ الوَسْوَاسِ وَالخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ التي تَعْتَرِي الإِنْسَانَ؟
رقم الفتوى : 11346
 السؤال :
 2021-03-22
 15862
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رِقَابَنَا مِنَ النَّارِ؟ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهَا مَنْ دَخَلَهَا، فَهَلْ مَنْ يَدْعُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى يَطْلُبَ العِتْقَ مِنْهَا؟
رقم الفتوى : 11071
 السؤال :
 2021-02-08
 1135
مَا مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: روى أبو داود عَنْ أَبِي نَعَامَةَ، عَنِ ابْنٍ لِسَعْدٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي، وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ، وَنَعِيمَهَا، وَبَهْجَتَهَا، وَكَذَا، وَكَذَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَسَلَاسِلِهَا، وَأَغْلَالِهَا، وَكَذَا، وَكَذَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، إِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ الجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الخَيْرِ، وَإِنْ أُعِذْتَ مِنَ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ»؟
رقم الفتوى : 10929

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414269894
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :