الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في رَفْعِ اليَدَيْنِ أَثْنَاءَ دُعَاءِ القُنُوتِ في الصَّلَاةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَالمَالِكِيَّةُ فِي المَشْهُورِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّ المُصَلِّيَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ، لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي صَلَاةٍ، فَلَا يُسَنُّ فِيهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ قِيَاسَاً عَلَى دُعَاءِ الافْتِتَاحِ وَالتَّشَهُّدِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، إِلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ مُسْتَحَبٌّ لِلاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّ عَدَدَاً مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي الْقُنُوتِ، فَعَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَهَرَ بِالدُّعَاءِ. رواه البيهقي.
وَكَيْفِيَّةُ رَفْعِهِمَا: أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إِلَى صَدْرِهِ حَال قُنُوتِهِ وَيَبْسُطُهَا وَبُطُونِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ.
وَقَال ابْنُ الْجَلاَّبِ مِنَ المَالِكِيَّةِ:إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ.
أَمَّا مَسْحُ الوَجْهِ بِاليَدَيْنِ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ دُعَاءِ القُنُوتِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خَبَرٌ، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي صَلَاةٍ فَلَمْ يُسْتَحَبْ مَسْحُ وَجْهِهِ فِيهِ كَسَائِرِ الأَْدْعِيَةِ فِي الصَّلَاةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي المَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ المَسْحُ لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفْعَ يَدَيْهِ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيهِ فَاسْتُحِبَّ مَسْحُ وَجْهِهِ بِهِمَا.
وبناء على ذلك:
فَالمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، وَلَا حَرَجَ مِنَ الرَّفْعِ أَثْنَاءَ الدُّعَاءِ ومَسْحِ الوَجْهِ، وَلَا حَرَجَ مِنْ عَدَمِ رَفْعِهِمَا، وَعَدَمِ مَسْحِ الوَجْهِ بَعْدَ الانْتِهَاءِ مِنْ دُعَاءِ القُنُوتِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |