49ـ كلمات في مناسبات: غزوة بدر الكبرى (9)

49ـ كلمات في مناسبات: غزوة بدر الكبرى (9)

 

 49ـ كلمات في مناسبات: غزوة بدر الكبرى (9)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا عزَّ وجلَّ الذي كَرَّمَ ابْنَ آدَمَ فَقَالَ فِيهِ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلَاً﴾. شَرَعَ للأُمَّةِ الإِحْسَانَ إلى الأَسْرَى، وطَلَبَ من الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ أَنْ يُعَامِلُوهُم مُعَامَلَةً إِنْسَانِيَّةً رَحِيمَةً، ودَعَاهُم إلى إِكْرَامِهِم والإِحْسَانِ إِلَيْهِم، ومَدَحَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ الذينَ يَبُرُّونَهُم، وأَثْنَى عَلَيْهِمُ الثَّنَاءَ الحَسَنَ الجَمِيلَ، قَالَ تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينَاً وَيَتِيمَاً وَأَسِيرَاً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورَاً﴾.

ويَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «فُكُّوا الْعَانِيَ ـ يَعْنِي الْأَسِيرَ ـ وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَصِيَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في الأَسْرَى:

أيُّها الإخوة الكرام: عِنْدَمَا عَادَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى المَدِينَةِ في الأَسْرَى، قَالَ لأَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم: «اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرَاً».

يَقُولُ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ: كُنْتُ فِي رَهْطٍ مِن الْأَنْصَارِ، حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا إذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إيّاهُمْ بِنَا، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلا نَفَحَنِي بِهَا.

قَالَ: فَأَسْتَحْيِيُ فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ ما يَمَسُّهَا.

مَا تَرَوْنَ في هؤلاءِ الأَسْرَى:

أيُّها الإخوة الكرام: لَمَّا وَصَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ وَهُم يَسُوقُونَ الأَسْرَى، وكَانَ فِيهِمُ العَبَّاسُ أَسَرَهُ رَجُلٌ من الأَنْصَارِ بِمَعُونَةٍ من مَلَكٍ من المَلائِكَةِ الكِرَامِ، وتَوَعَّدَتِ الأَنْصَارُ بِقَتْلِ العَبَّاسِ، فَبَلَغَ ذلكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «لَمْ أَنَمِ اللَّيْلَةَ من أَجْلِ عَمِّيَ العَبَّاسِ، وَقَد زَعَمَتِ الأَنْصَارُ أَنَّهُم قَاتِلُوهُ».

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَفَآتِيهِم؟

قَالَ: «نَعَمْ».

فَأَتَى عُمَرُ الأَنْصَارَ فَقَالَ لَهُم: أَرْسِلُوا العَبَّاسَ.

فَقَالُوا: لا واللهِ لا نُرْسِلُهُ.

فَقَالَ لَهُم عُمَرُ: فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ رَضِيَ.

قَالُوا: فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ رَضِيَ فَخُذْهُ.

فَأَخَذَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا صَارَ في يَدِهِ، قَالَ لَهُ: يَا عَبَّاسُ أَسْلِمْ، فَوَاللهِ لَأَنْ تُسْلِمَ أَحَبُّ إِلَيَّ من أَنْ يُسْلِمَ الخَطَّابُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يُعْجِبُهُ إِسْلَامُكَ.

فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ النَّاسَ، فَقَالَ: «مَا تَرَوْنَ في هؤلاءِ الأَسْرَى؟ إِنَّ اللَه قَد أَمْكَنَكُم مِنْهُم، وَإِنَّمَا هُم إِخْوَانُكُم بالأَمْسِ».

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَهْلُكَ وَقَوْمُكَ، قَد أَعْطَاكَ اللهُ الظَّفَرَ وَنَصَرَكَ عَلَيْهِم، هؤلاءِ بَنُو العَمِّ والعَشِيرَةُ والإِخْوَانُ اسْتَبْقِهِم، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ الفِدَاءَ مِنْهُم، فَيَكُونَ مَا أَخَذْنَا مِنْهُم قُوَّةً لَنَا على الكُفَّارِ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُم بِكَ، فَيَكُونُوا لَكَ عَضُدَاً.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَا تَقُولُ يَا ابْنَ الخَطَّابِ؟».

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَد كَذَّبُوكَ وَأَخْرَجُوكَ وَقَاتَلُوكَ، مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمْكِنَنِي من فُلَانٍ ـ قَرِيبٍ لِعُمَرَ ـ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ عَلِيَّاً من عقيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ من فُلَانٍ ـ أَخِيهِ ـ حَتَّى يَضْرِبَ عُنُقَهُ، حَتَّى لَيَعْلَمُ اللهُ تعالى أَنَّهُ لَيْسَتْ في قُلُوبِنَا مَوَدَّةً للمُشْرِكِينَ، هؤلاءِ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ وَأَئِمَّتُهُم وَقَادَتُهُم فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُم، مَا أَرَى أَنْ يَكُونَ لَكَ أَسْرَى، فَإِنَّمَا نَحْنُ رَاعُونَ مُؤَلَّفُونَ.

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْظُرُ وَادِيَاً كَثِيرَ الحَطَبِ فَأُضْرِمُهُ عَلَيْهِم نَارَاً.

فَقَالَ العَبَّاسُ وَهُوَ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ: قَطَعْتَ رَحِمَكَ.

قَالَ أَبُو أَيُّوبُ: فَقُلْنَا ـ يَعْنِي الأَنْصَارَ ـ: إِنَّمَا يَحْمِلُ عُمَرَ على مَا قَالَ حَسَدٌ لَنَا.

فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ البَيْتَ، فَقَالَ أُنَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ؛ وَقَالَ أُنَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ؛ وَقَالَ أُنَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ.

ثمَّ خَرَجَ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ تعالى لَيُلِينُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ من اللَّبَنِ، وَإِنَّ اللهَ تعالى لَيَشُدُّ قُلُوبَ أَقْوَامٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ من الحِجَارَةِ، مَثَلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ في المَلَائِكَةِ مَثَلُ مِيكَائِيلَ يَنْزِلُ بالرَّحْمَةِ، وَمَثَلُكَ في الأَنْبِيَاءِ مَثَلُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وَمَثَلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِذْ قَالَ: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

وَمَثَلُكَ يَا عُمَرُ في المَلَائِكَةِ مَثَلُ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بالشِّدَّةِ والبَأْسِ والنِّقْمَةِ على أَعْدَاءِ اللهِ تعالى، وَمَثَلُكَ في الأَنْبِيَاءِ مَثَلُ نُوحٍ إِذْ قَالَ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارَاً﴾. وَمَثَلُكَ في الأَنْبِيَاءِ مَثَلُ مُوسَى، إِذْ قَالَ: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾. لَو اتَّفَقْتُمَا مَا خَالَفْتُكُمَا، أَنْتُمْ عَالَةً فلا يُفْلِتَنَّ مِنْكُم أَحَدٌ إلا بِفِدَاءٍ أَو ضَرْبِ عُنُقٍ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ الأَسْرَى وَهُم لا يَزَالُونَ على شِرْكِهِم يَسْتَمِعُونَ إلى كَلامِ سَيِّدِ الخَلْقِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ ويُشَاوِرُ من أَجْلِهِم، وَيُوصِي بِهِم، وَهُم يَعْلَمُونَ أَنَّ قَتْلَهُم يَكُونُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَخْرُجُ من شَفَتَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ، وَهُم يَعْلَمُونَ مَاذَا فَعَلُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ خِلالَ ثَلاثَةَ عَشَرَ عَامَاً، وأَنَّهُم يَسْتَحِقُّونَ القَتْلَ جَمِيعَاً، وقَد غَدَوْا أَسْرَى بَيْنَ يَدَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

أيُّها الإخوة الكرام: الحَيَاةُ مَوَاقِفٌ، ومن جُمْلَةِ المَوَاقِفِ التي وَقَفَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى أَنَّهُ قَالَ عِنْدَمَا رَأَى الأَسْرَى بَيْنَ يَدَيْهِ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيَّاً ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ومَا ذَاكَ إلا لأَنَّ الْمُطْعِمَ عَرَّضَ نَفْسَهُ وأَوْلادَهُ وعَشِيرَتَهُ للقَتْلِ عِنْدَمَا أَدْخَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في جِوَارِهِ عِنْدَمَا عَادَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ من الطَّائِفِ مَطْرُودَاً مَدْحُورَاً، حَتَّى صَمَّمَ على العَوْدِ إلى مَكَّةَ، وعلى القِيَامِ بِاسْتِئْنَافِ خُطَّتِهِ الأُولَى في عَرْضِ الإِسْلَامِ وَإِبْلَاغِ رِسَالَةِ اللهِ الخَالِدَةِ بِنَشَاطٍ جَدِيدٍ وَبِجِدٍّ وَحَمَاسٍ.

وَحِينَئِذٍ قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِم وَقَد أَخْرَجُوكَ؟ يَعْنِي قُرَيْشَاً.

فَقَالَ: «يَا زَيْدُ، إِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجَاً وَمَخْرَجَاً، وَإِنَّ اللَه نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ».

وَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا دَنَا من مَكَّةَ مَكَثَ بِحِرَاءَ، وَبَعَثَ رَجُلَاً من خُزَاعَةَ إلى الأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ لِيُجِيرَهُ، فَقَالَ: أَنَا حَلِيفٌ، والحَلِيفُ لا يُجِيرُ.

فَبَعَثَ إلى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ سُهَيْلٌ: إِنَّ بَنِي عَامِرٍ لا تُجِيرُ على بَنِي كَعْبٍ.

فَبَعَثَ إلى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ المُطْعِمُ: نَعَم، ثمَّ تَسَلَّحَ وَدَعَا بَنِيهِ وَقَوْمَهُ، فَقَالَ: اِلْبَسُوا السِّلَاحَ، وَكُونُوا عِنْدَ أَرْكَانَ البَيْتِ، فَإِنِّي قَد أَجَرْتُ مُحَمَّدَاً، ثمَّ بَعَثَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، أَن ادْخُلْ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى انْتَهَى إلى المَسْجِدِ الحَرَامِ.

فَقَامَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي قَد أَجَرْتُ مُحَمَّدَاً فَلا يَهْجُهُ أَحَدٌ مِنْكُم، وانْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، وَطَافَ بالبَيْتِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَانْصَرَفَ إلى بَيْتِهِ، ومُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَوَلَدُهُ مُحَدِّقُونَ بِهِ بالسِّلَاحِ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ.

وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا جَهْلٍ سَأَلَ مُطْعِمَاً: أَمُجِيرٌ أَنْتَ أَمْ مُتَابِعٌ ـ مُسْلِمٌ ـ؟

قَالَ: بَلْ مُجِيرٌ.

قَالَ: قَد أَجَرْنَا مَن أَجَرْتَ.

وَقَد حَفِظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ للمُطْعِمِ هذا الصَّنِيعَ، فَقَالَ في أَسَارَى بَدْرٍ: ««لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيَّاً ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا للتَّخَلُّقِ بِأَخْلاقِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 26/رمضان /1436هـ، الموافق: 13/تموز/ 2015م

 

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

09-04-2024 163 مشاهدة
142ـ كلمات في مناسبات: فجر عيد الفطر 1445 هـ

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَخَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، دَخَلْنَا هَذَ المَوْسِمَ العَظِيمَ، حَيْثُ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، ... المزيد

 09-04-2024
 
 163
28-09-2023 722 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 722
07-03-2023 712 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 712
28-09-2022 659 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 659
09-07-2022 559 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 559
08-07-2022 488 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 488

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414460307
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :