242- مع الحبيب المصطفى: قلبه الشريف ألين القلوب

242- مع الحبيب المصطفى: قلبه الشريف ألين القلوب

.

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

242ـ قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ألين القلوب

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ عَظَمَةَ خَيرِ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ تعالى، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ الذي اصْطَفَاهُ اللهُ تعالى من سَائِرِ خَلْقِهِ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَنْ قَالَ اللهُ تعالى في حَقِّهِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْـمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وَمَنْ قَالَ عَن ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ: «فَأَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ» رواه الإمام الحاكم والطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ شَيْئَاً عَن قَلْبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ جُبِلَ قَلْبُهُ الشَّرِيفُ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِحُسْنِ التَّأَسِّي والاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى مُعَرِّفَاً على قَلْبِهِ الشَّرِيفِ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. فَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَلِيظَاً، بَلْ كَانَ لَيِّنَاً جُبِلَتِ الرَّحْمَةُ فِيهِ، حَتَّى كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرْحَمَ خَلْقِ اللهِ تعالى بِخَلْقِ اللهِ تعالى، وَكَانَ قَلْبُهُ الـشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ القُلُوبِ إلى اللهِ تعالى، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَن أَبِي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ للهِ آنِيَةً من أَهْلِ الأَرْضِ، وَآنِيَةُ رَبِّكُم قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ أَلْيَنُهَا وَأَرَقُّهَا». وَهَلْ هُنَاكَ أَلْيَنُ وَأَرَقُّ من قَلْبِ الحَبِيبِ الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَقِيقَ القَلْبِ لَيِّنَهُ، وَلِذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُؤَثِّرَاً في النَّاسِ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَطَاءِ الله السَّكَنْدَرِيُّ: كُلُّ كَلامٍ يَبْرُزُ وَعَلَيْهِ كِسْوَةُ القَلْبِ الذي مِنْهُ بَرَزَ.

بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَذَبَ القُلُوبَ إِلَيْهِ، بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَقَنَ الدِّمَاءَ، بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ شَمْلَ الأُمَّةِ، بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَسَا العَارِي، وَأَطْعَمَ الجَائِعَ، وَمَسَحَ على رَأْسِ اليَتِيمِ، وَفَرَّجَ كُرُبَاتِ المَكْرُوبِينَ، وَجَعَلَ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ كَمَا قَالَ تعالى عَنْهَا: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾. لِأَنَّهُ لا إِيمَانَ إلا بِالرَّحْمَةِ.

القَلْبُ هُوَ أَسَاسُ الصَّلاحِ وَالإِصْلاحِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: القَلْبُ هُوَ أَسَاسُ الصَّلاحِ وَالإِصْلاحِ، ولا يَكُونُ العَبْدُ صَالِحَاً ولا مُصْلِحَاً إلا إِذَا كَانَ قَلْبُهُ مَجْبُولَاً عَلَى الرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ وَاللِّينِ، وإلا فَالحَقُّ لا يُفْرَضُ على النَّاسِ بِقُوَّةِ السِّلاحِ مَا لَمْ تَكُنِ القُلُوبُ الرَّحِيمَةُ حَوْلَ هَذَا الحَقِّ سِيَاجَاً تَحُوطُهُ وَتَحْمِيهِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَتْ مُهِمَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَظِيمَةً جِدَّاً، وَكَانَتِ الأَعْبَاءُ والتَّبِعَاتُ والتَّكَالِيفُ عَلَيْهِ عَظِيمَةً جِدَّاً، وَرَغْمَ كُلِّ هَذَا مَا كَانَ يَغْفُلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَحْظَةً وَاحِدَةً عَن الحِرْصِ على جَمْعِ القُلُوبِ على هَذِهِ الدَّعْوَةِ، وَإِزَالَةِ النُّفُورِ مِنْهَا.

روى الشيخان عَن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئَاً.

قَالَ: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ، فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ.

فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ، وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَأْتُ هَذَا لَكَ». (القَبَاءُ: ثَوْبٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الثِّيَابِ). لَقَد فَعَلَ ذَلِكَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ هَذَا الرَّجُلِ فِيهِ حِدَّةٌ وَشِدَّةٌ وَغِلْظَةٌ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَريصَاً على تَطْيِيبِ خَاطِرِهِ.

يُعْطِي المَفْضُولَ تَرْقِيقَاً لِقَلْبِهِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من خِلالِ لِينِ قلْبِهِ الشَّرِيفِ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على إِنْقَاذِ النَّاسِ من عَذَابِ اللهِ تعالى، وَكَانَ يُؤَلِّفُ قُلُوبَهُم على الحَقِّ والخَيْرِ بِشَيْءٍ من لُعَاعَةِ الدُّنْيَا، روى الإمام مسلم عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِن الْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ ـ وفي رِوَايَةٍ بِذُهَيْبَةٍ ـ (تَصْغِيرُ ذَهَبَةٍ، يَعْنِي: قِطْعَةً مِن الذَّهَبِ) فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ (أَيْ: جِلْدٍ مَدْبُوغٍ بالقَرَظِ) لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا (أَيْ: لَمْ تُخَلَّصْ من تُرَابِ المَعْدَنِ).

قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ، وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ.

قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ: «أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحَاً وَمَسَاءً».

قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ (أَيْ: غَارَتْ عَيْنَاهُ وَدَخَلَتَا فِي رَأْسِهِ) مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ (أَيْ: عَالِي الْخَدَّيْنِ) نَاشِزُ الْجَبْهَةِ (أَيْ: مُرْتَفِعُهَا) كَثُّ اللِّحْيَةِ (أَيْ: غَلِيظُهَا) مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمِّرُ الْإِزَارِ (أَيْ: رَافِعُهُ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اتَّقِ اللهَ.

فَقَالَ: «وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ».

قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ؛ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟

فَقَالَ: «لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي».

قَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ، وَصَاحِبُ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ، وَصَاحِبُ القَلْبِ اللَّيِّنِ، حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على تَأْلِيفِ القُلُوبِ، وَإِنْقَاذِهَا من الضَّلالِ إلى الهُدَى.

الرَّحْمَةُ والشَّفَقَةُ واللِّينُ بالمُخْطِئُ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: من خِلالِ قَوْلِ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. نَأْخُذُ فَائِدَةً وَعِبْرَةً عَظِيمَةً، وَهِيَ أَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ على اللِّينِ والرِّفْقِ، ولا يَجْتَمِعُونَ على الشِّدَّةِ والعُنْفِ، فَإِذَا كَانَ الخِطَابُ من اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. وَهَؤُلاءِ هُم خِيرَةُ خَلْقِ اللهِ تعالى بَعْدَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَيْفَ بِمَنْ بَعْدَهُم؟ وَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ مَقَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من النَّاسِ، سَوَاءٌ كَانَ من العُلَمَاءِ والدُّعَاةِ، أَو من أَصْحَابِ الرِّيَاسَةِ والجَاهِ والغِنَى؟!!

فَالرِّفْقُ واللِّينُ بِخَلْقِ اللهِ تعالى أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ وَأَسَاسِيٌّ، وَخَاصَّةً من طَلَبَةِ العِلْمِ والعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ إلا على أَسَاسِ الرَّحْمَةِ والرِّفْقِ واللِّينِ ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.

هَذَا سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، يَسُبُّهُ رَجُلٌ وَيَشْتُمُهُ وَيُغْلِظُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: يَا هَذَا، لَا تُغْرِقَنَّ فِي سَبِّنَا، وَدَعْ لِلصُّلْحِ مَوْضِعَاً، فَإِنَّا لَا نُكَافِئُ مَنْ عَصَى اللهَ فِينَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ نُطِيعَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ.

وَشَتَمَ رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ، فَقَالَ لَهُ: إنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتَ فَغَفَرَ اللهُ لِي، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ كَمَا قُلْتَ فَغَفَرَ اللهُ لَك.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنُدَرِّبْ أَنْفُسَنَا على خُلُقِ الصَّبْرِ واللِّينِ والرِّفْقِ والمُسَامَحَةِ؛ والعَبْدُ بِالتَّحَلُّمِ يُصْبِحُ حَلِيمَاً، وَقَد جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الطَّبرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَا هُوَ حَظُّنَا من قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كُونُوا على يَقِينٍ بِأَنَّهُ لا إِيمَانَ إلا بِرَحْمَةٍ، ولا رَحْمَةَ من اللهِ تعالى إلا بالتَّرَاحُمِ فِيمَا بَيْنَنَا، سَلُوا اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا رَحِيمِينَ بِخَلْقِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَعْطِفُ على الرُّحَمَاءِ.

سَلُوا اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا رَحِيمِينَ بِخَلْقِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ اللهَ تعالى لَطِيفٌ بِالرُّحَمَاءِ.

فَكَمْ من شَدَائِدِ الدُّنْيَا وَأَهْوَالِهَا وَنَكَبَاتِهَا صَرَفَهَا اللهُ تعالى عَمَّنْ رَحِمُوا العِبَادَ، وَمَا يَنْتَظِرُهُم في عَالَمِ البَرْزَخِ من رَحَمَاتٍ، وفي عَرَصَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، أَجَلُّ وَأَسْمَى وَأَسْنَى من رَحْمَتِهِ تعالى بِهِم في الدُّنْيَا.

اللَّهُمَّ اغْرِسْ في قُلُوبِنَا الرَّحْمَةَ والرِّفْقَ واللِّينَ على جَمِيعِ خَلْقِكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 5/ جمادى الآخرة /1437هـ، الموافق: 14/ آذار / 2016م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2353 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2353
20-06-2019 1400 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1400
28-04-2019 1184 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1184
28-04-2019 1194 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1194
21-03-2019 1827 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1827
13-03-2019 1698 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1698

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414461448
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :