157ـ لم يبق لنا إلا شيء واحد

157ـ لم يبق لنا إلا شيء واحد

كلمة شهر ربيع الأول 1441

157ـ لم يبق لنا إلا شيء واحد

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا شَهْرُ رَبِيعٍ الأَنْوَرُ قَدْ عَادَ إِلَيْنَا مَرَّةً أُخْرَى، وَهُوَ يَحْمِلُ لَنَا في طَيَّاتِهِ ذِكْرَى مَوْلِدِكَ، التي كَانَتْ رَحْمَةً للعَالَمِينَ وَهُدَىً وَنُورَاً.

عَادَ شَهْرُ رَبِيعٍ الأَنْوَرُ لِيُذَكِّرَنَا بِلَيْلَةِ الخَيْرِ، لَيْلَةِ البَرَكَةِ، لَيْلَةِ البِرِّ، لَيْلَةِ الفَرْحَةِ الكُبْرَى في تَارِيخِ البَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، لَيْلَةِ العِيدِ الأَعْظَمِ للنَّاسِ، لَيْلَةِ مَوْلِدِكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ.

يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ أُمَّتُكَ تَحْتَفِلُ بِذِكْرَى مَوْلِدِكَ في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَهَا هِيَ مَنَابِرُكَ تُحَدِّثُ الأُمَّةَ عَنْ يَوْمِ مَوْلِدِكَ العَظِيمِ، وَهَا هُمْ حَمَلَةُ القُرْآنِ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ مِنْ خَلْقِهِ يُرَتِّلُونَ آيَ الذِّكْرِ الحَكِيمِ التي عَرَّفَتْنَا عَلَى شَخْصِكَ الكَرِيمِ، يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ.

نَعَمْ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، سَتَحْتَفِلُ هَذِهِ الأُمَّةُ بِذِكْرَى مَوْلِدِكَ، يُقِيمُونَ الزِّينَاتِ، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ، وَيَجْتَمِعُونَ في بُيُوتِ اللهِ تعالى يَتَذَاكَرُونَ سِيرَتَكَ العَطِرَةَ.

نَعَمْ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ إِنَّنَا لَنَفْرَحُ بِيَوْمِ مَوْلِدِكَ وَنَطْرَبُ وَنُسَرُّ، وَلَمْ يَبْقَ لَنَا إِلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ نَعُودَ إلى دِينِكَ حَقَّاً، أَنْ نَعُودَ إلى كِتَابِ رَبِّنَا حَقَّاً، أَنْ نَعُودَ إلى سُنَّتِكَ حَقَّاً، أَنْ نَعُودَ إلى أَخْلَاقِكَ حَقَّاً، أَنْ نَعُودَ إلى سِيرَتِكَ حَقَّاً، أَنْ نَلْتَزِمَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾ حَقَّاً. أَنْ نُحَكِّمَكَ في أَنْفُسِنَا وَفِيمَا شَجَرَ بَيْنَنَا حَقَّاً، وَأَنْ لَا نَجِدَ في أَنْفُسِنَا حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَنُسَلِّمَ تَسْلِيمَاً حَقَّاً، وَأَنْ نَلْتَزِمَ قَوْلَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرَاً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالَاً مُبِينَاً﴾ حَقَّاً.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ وَقَفْتَ عَلَى مِنْبَرٍ كَانَ لَهُ دَرَجَاتٌ ثَلَاثَةٌ مِنْ خَشَبٍ، لَا قُبَّةَ فَوْقَهُ، وَلَا بَابَ لَهُ، وَلَا زَخَارِفَ وَلَا نُقُوشَ، فَأَخْرَجْتَ العِبَادَ مِنْ عِبَادَةِ العِبَادِ إِلى عِبَادَةِ رَبِّ العِبَادِ، وَنَقَلْتَ البَشَرِيَّةَ مِن ظُلْمَةِ الجَهْلِ إِلى نُوْرِ العِلْمِ، وَمِنْ دَرَكَاتِ الظُلْمِ إِلَى أَعلَى دَرَجَاتِ العَدْلِ وَالرَّحْمَةِ، وَجَعَلْتَ مِمَّنْ يُؤْمِنُونَ بِكَ أُمَّةً كَانَتْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ.

لِأَنَّكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ دَعَوْتَ اللهَ تعالى بِصِدْقٍ وَإِخْلَاصٍ، وَتَحَقَّقْتَ بِمَا دَعَوْتَ إِلَيْهِ، فَاسْتَجَابَتْ لَكَ الدُّنْيَا، وَانْقَادَتْ لَكَ القُلُوبُ.

أَمَا نَحْنُ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، مَنَابِرُنَا تَكَادُ أَنْ تَصِلَ إلى سَقْفِ المَسْجِدِ، وَهِيَ مُزَخْرَفَةٌ وَمَنْقُوشَةٌ، وَخُطَبُنَا رَنَّانَةٌ، تُنْشَرُ عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، أَو مِنْ خِلَالِ أَجْهِزَةِ الإِعْلَامِ لِتُبَثَّ في الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا، وَلَكِنْ لَا مُجِيبَ وَلَا مُصْغِيَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

نَعَمْ لَقَدْ أَسْمَعْنَا الأَذَانَ، وَلَمْ تَنْفُذِ الكَلِمَاتُ إلى القُلُوبِ، لِأَنَّ أَفْعَالَنَا تَبَايَنَتْ مَعَ أَقْوَالِنَا، نَقُولُ مَا لَا نَفْعَلُ، نَأْمُرُ وَلَا نَأْتَمِرُ، وَنَنْهَى وَلَا نَنْتَهِي، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، الكَثِيرُ مِنَّا جَعَلَ مِنْ سِيرَتِكَ العَطِرَةِ وَدِينِكَ الحَنِيفِ سَبَبَاً لِأَكْلِ الدُّنْيَا، فَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، وَبَاعَ النَّعِيمَ المُقِيمَ بِنَعِيمٍ زَائِلٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ أَصْبَحْنَا شِيَعَاً وَأَحْزَابَاً، تُقَسِّمُنَا وَتُفَرِّقُنَا وَتُنَازِعُنَا الدُّنْيَا بِجَمِيعِ صُوَرِهَا، تَنَازَعْنَاهَا، مِنَّا مَنْ أَرَادَ سِيَادَةً وَرِيَادَةً، وَمِنَّا مَنْ أَرَادَ مَالَاً وَدِينَارَاً وَدِرْهَمَاً، وَمِنَّا مَنْ أَرَادَ الشَّهَوَاتِ العَاجِلَةَ الفَانِيَةَ.

سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ عَادَ الكَثِيرُ إلى جَاهِلِيَّةٍ شَرٍّ مِنَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى، وَلَكِنْ لَنْ نَيْأَسَ، لِأَنَّكَ عَلَّمْتَنَا يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ، وَعَلَّمْتَنَا أَنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِكَ عَلَى الحَقِّ، لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.

فَيَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، نَسْأَلُكَ أَن تَتَوَجَّهَ إِلى رَبِّنَا في أَنْ يَجْعَلَ شَبَابَنَا وَشَابَّاتِنَا مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، وَنَحْنُ مَعَهُمْ، سَائِلِينَ المَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنَا قُرَّةَ عَيْنٍ لَكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 1/ ربيع الأول /1441هـ، الموافق:29 / تشرين الأول / 2019م

 2019-10-28
 957
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 96 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 96
13-03-2024 258 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 258
09-02-2024 503 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 503
13-01-2024 310 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 310
14-12-2023 445 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 445
16-11-2023 546 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 546

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413843781
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :