2ـ من وصايا الصالحين: (الوصية ببر الوالدين)

2ـ من وصايا الصالحين: (الوصية ببر الوالدين)

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} [لقمان: 14-15].

{ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت وإني من المسلمين * أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} [الأحقاف: 15-16].

{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً} [الإسراء: 23-24].

لعظم شأن الوالدين عند الله عز وجل، أوصى ببرهما، وأكد على بر الأم خاصة.

والبر خلاف العقوق، فالبار هو الذي يحسن إلى الوالدين، ويتعطف عليهما، ويرفق بهما، ويرعى أحوالهما، ولا يسيء إليهما، ويكرم صديقهما من بعدهما.

والله جل جلاله جعل بر الوالدين مقروناً بعبادته وتوحيده، كما قرن شكرهما بشكره.

في النص الأول: يوصي الله الإنسان بالإحسان لوالديه، مبيناً على وجه الخصوص متاعب الأم بولدها، إشعاراً بمبلغ استحقاقها للإحسان والرعاية، شكراً لها على ما قدمت من عطاء.

فبر الوالدين وطاعتهما في معروف غير معصية فرض وواجب على المسلم، ليقابل المعروف بمثله، والإحسان بمثله. أما إذا أمرا بمعصية فطاعتهما حرام، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وتختص الأم بزيادة البر والطاعة لمعاناتها في الحمل والوضع والإرضاع والتربية، فمبدأ الإحسان للوالدين مبدأ ثابت في ديننا ، ولو كان الوالدان كافرين، فمن الواجب على الولد أن يصاحب والديه الكافرين في الدنيا مصاحبة بالمعروف، أي بما هو معروف بين الناس من أصول الإحسان في المصاحبة، وحين يطلبان منه أن يعصي الله في شيء لم يكن لهما حق الطاعة، لأن حق الله عز وجل على عباده أعظم وأجلُّ من أي حق كان.

وفي النص الثاني: إشارة إلى أن حق الأم آكد من حق الأب، لأنها حملته بمشقة، ووضعته بمشقة، وأرضعته وحضنته، ولم يشاركها الأب في شيء من ذلك، فسبب الإحسان إليهما واضح، وهو كونهما كانا سبباً لوجوده وتربيته وتنشئته، وخاصة الأم، فحقها أعظم من حق الأب، لأن الله تبارك وتعالى قال أولاً: {ووصينا الإنسان بوالديه} فذكرهما معاً، ثم خص الأم بالذكر فقال: {حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً} وذلك يدل على أن حقها أعظم من حق الأب.

وفي النص الثالث: الأمر واضح بقوة الإلزام بهذين الواجبين، لأن الأمر جاء بعبارة {وقضى}، ومعلوم أن القضاء إذا كان في مجال التكوين كان لا بد من وقوعه حتماً، {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون}، ولكن لما جاء في مجال التكليف دل على شدة إلزام المكلفين به إلى أقصى حد.

وفي هذا النص اهتمام بحال الأبوين حينما يبلغان مبلغ الكبر والعجز، إذ يؤكد فريضة الإحسان إليهما في هذه الحالة، ومن الإحسان إليهما تكريم مقامهما، وعدم التضجر من أفعالهما مهما كانت مثيرة للتضجر، وعدم مواجهتهما بما يؤذيهما من القول، حتى ولو كانت كلمة (أف) لأن الإنسان إذا كبرت سنه وبلغ مبلغ الضعف الثاني كثرت مطالبه، وضاق صدره، وكثرت مداخلاته في كل صغيرة وكبيرة، ومنهم والعياذ بالله يُرَدُّ إلى أرذل العمر، ومع كل ذلك فالولد مطالب شرعاً بأن يقول لكل من والديه مهما كانت حالهما قولاً كريماً، وبأن لا يواجههما بأي قول يؤذيهما.

ويكاد الإنسان لا يفي والديه حقهما عليه مهما أحسن إليهما، لأنهما كانا يحسنان إليه حينما كان صغيراً وهما يتمنيان له كل خير، ويخشيان عليه من كل سوء، ويسألان الله له السلامة وطول العمر، ويهون عليهما من أجله كل بذل مهما عظم. أما الولد فإذا قام بما وجب عليه من الإحسان لوالديه فإن مشاعره النفسية نحوهما لا تصل إلى مثل مشاعرهما.

وما جاء به القرآن العظيم من الوصية بالوالدين أكدته السنة المطهرة:

روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: (الصلاة على وقتها). قال: ثم أيّ؟ قال: (بر الوالدين). قال: ثم أيّ؟ قال: (الجهاد في سبيل الله).

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك).

وروى النسائي وابن ماجه عن معاوية بن جاهمة السلمي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: (ويحك أحيَّة أمك)؟ قلت: نعم. قال: (ارجع فبِرَّها)، ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: (ويحك، أحيَّة أمك)؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: (فارجع إليها فبرها). ثم أتيته من أمامه فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: (ويحك، أحيَّة أمك)؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: (ويحك الزم رجلها، فثمَّ الجنة).

وروى أبو داود وابن ماجه عن أبي أُسيد الساعدي رضي الله عنه قال: فيما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبويَّ شيء أبَرُّهما به بعد موتهما؟ قال: (نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما).

وروى الطبراني بإسناد حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (احفظ ودَّ أبيك لا تقطعه فيطفئ الله نورك).

ثم حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من العقوق:

فقد روى الترمذي وأبو داود بإسناد صحيح عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ذنب أحرى أن يعجَّل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يُدَّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم).

وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد).

وروى البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) وكرَّرها الرسول ثلاثاً. قلنا: بلى يا رسول الله. قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين) وكان متكئاً فجلس فقال: (ألا وقول الزور وشهادة الزور) فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.

وإذا عرفت هذا يا أخي فلعلك تسمع ما هي ثمرة هذا البر في الدنيا قبل الآخرة، فاسمع إلى ما يروي الإمام مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة، وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم).

وفي رواية: كان عمر بن الخطاب إذا أتى أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مُرادٍ ثُمَّ من قَرَن؟ قال: نعم. قال: فكان بك برص فبرَأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرَأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) فاستغفر لي، فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة. قال: ألا أكتب لك على عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحبُّ إلي. قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس. قال: تركته رثَّ البيت، قليل المتاع، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرَأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) فأتى أويساً فقال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهداً بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهداً بسفر صالح فاستغفر لي، قال: لقيت عمر؟ قال: نعم فاستغفرَ له، ففطن له الناس، فانطلق على وجهه، قال: أُسَيْر: وَكَسَوْتُه بُردةً، فكان كلما رآه إنسان، قال: من أين لأويس هذه البردة.

صار رضي الله عنه خير التابعين ببركة برِّه لأمه، بل الأكثر من ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة إذا رأوه أن يطلبوا منه الاستغفار لأن دعاءه صار مجاباً. هل عرفت هذا يا أخي؟

وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمْ المَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلهِ فَادْعُوا اللهَ تَعَالَى بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَتِي، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللهُ مِنْهَا فُرْجَةً فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَجِئْتُهَا بِهَا، فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللهَ وَلَا تَفْتَح الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً، فَفَرَجَ لَهُمْ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيراً بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَراً وَرِعَاءَهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَظْلِمْنِي حَقِّي. قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا فَخُذْهَا. فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي. فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا، فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ فَفَرَجَ اللهُ مَا بَقِيَ).

برهما سببٌ لتفريج الكرب ولإخراجك من الضيق، فكلما ضاقت عليك الدنيا ولك أبوان فأسرع إليهما وأحسن إليهما وبرهما، ليكونا سبباً في تفريج كربك.

وإذا كنت حريصاً على بر ولدك لك، فعليك ببر أبويك، واعلم بأن ما تزرعه تحصده في الدنيا قبل الآخرة، روى الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعِفوا تعفَّ نساؤكم).

وإذا كنت حريصاً على البركة في عمرك وزيادته، فعليك ببر الوالدين، واسمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزيد في العمر إلا البرُّ، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، وإن الرجل ليُحرم الرزق بخطيئة يعملها) رواه الترمذي وابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه.

وأما ثمرته في الآخرة، فاسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم، كما تروي لنا أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ودخلت الجنة، فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، كذلكم البِر كذلكم البر) وكان أبرَّ الناس بأمه. أخرجه الحاكم بإسناد صحيح.

وروى البخاري في الأدب المفرد عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسباً إلا فتح الله له بابين (يعني من الجنة)، وإن كان واحداً فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلما؟ قال: وإن ظلما.

لذلك كان يقول حبر الأمة سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة.

ويروي البخاري في الأدب المفرد عن سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه قال: شهد ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً يمانياً يطوف بالبيت، حملَ أمه وراء ظهره يقول:

إني لها بعيرها المذلل

 

إن أُذعرتْ رِكابها لم أُذعر

ثم قال: يا بن عمر، أتراني جزيتها؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة.

فاسمع يا أخي الحبيب أخيراً إلى وصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (إن الله يوصيكم بأمهاتكم (ثلاثاً) وإن الله يوصيكم بآبائكم، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب) رواه ابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه.

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه).

ورحم الله من قال:

عليك ببرِّ الوالدين كليهما

ولا تصحبَنْ إلا تقيّاً مهذباً

 

وبرِّ ذوي القربى وبر الأباعد

عفيفاً ذكياً منجزاً للمواعد

اللهم اجعلنا بررة بآبائنا وأمهاتنا وأقاربنا والمسلمين، بعد برنا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجزه عنا يا ربنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، واجز عنا آباءنا وأمهاتنا خير ما جزيت آباءاً عن أبنائهم، يا رب ارحمهما كما ربياني صغيراً.

وتعلَّمْ يا أخي هذا الأدب من سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، أن أمه كانت في بيت وهو في آخر، فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها قال: السلام عليك يا أمَّاه ورحمة الله وبركاته. فتقول: وعليك يا بُنيَّ ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمكِ الله كما ربَّيتِني صغيراً. فتقول: رحمكَ الله كما برَرْتَني كبيراً.

والحمد لله رب العالمين.

**       **     **

 

الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 

التعليقات [ 2 ]

نصرالله الخطيب
 2010-02-07

جزاك الله خيراً يا سيدي, ونفع بك الأمة, وكتبك عنده من الكرام البررة, وجعلك ممن يظلهم تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله, آمين يا رب العالمين.

سمير أيوب
 2007-06-19

أمي يا روحي و حياتي يا بهجة نفسي و مناتي أنسك في الحاضر و الآتي ،الله تعالى أوصاني في الجهر ووقت الإعلان بالبر لك و الإحسان.. أخي الحبيب إياك ثم إياك أن تفضل زوجتك على أمك ولاتنس : دعوة من أمك خير من ألف دعوة من زوجتك كما و أوصيك بالرفق بزوجتك و تربية أولادك التربية الصالحة و تأكد أنك كما تعامل أمك و أباك سوف يعاملك أولادك حكلي لأحكلك كما تدين تدان و بالكيل الذي كلت به تكال و ما تظن أنو على راسك ريشة .. عمك سسسسمير

 

مواضيع اخرى ضمن  من وصايا الصالحين

05-03-2020 4872 مشاهدة
47ـ وصية أبي الدرداء (4)

لَقَدْ كَانَ الصَّحْبُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنَ الصَّغَائِرِ فَضْلاً عَنَ الكَبَائِرِ، روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ ... المزيد

 05-03-2020
 
 4872
27-02-2020 3833 مشاهدة
46ـ وصية أبي الدرداء (3)

مَا أَجْمَلَ الصَّاحِبَ الصَّالِحَ، وَالأَخَ النَّاصِحَ، مَا أَجْمَلَ مَنْ يُذَكِّرُكَ بِاللهِ تعالى، وَيُذَكِّرُكَ بِالمَهَمَّةِ التي خُلِقْتَ مِنْ أَجْلِهَا، مَا أَجْمَلَ مَنْ يُذَكِّرُكَ بِحَقِيقَةِ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا. مَا أَكْرَمَ ... المزيد

 27-02-2020
 
 3833
21-02-2020 3016 مشاهدة
45ـ وصية أبي الدرداء (2)

إِنَّ مِمَّا يُرَقِّقُ الطِّبَاعَ؛ وَيَعِظُ الْقُلُوبَ ويُشَنِّفُ الأَسْمَاعَ؛ وَيَدْعُو أَصْحَابَهَا إِلَى الاتِّبَاعِ، مَا جَاءَ فِي وَصَايَا السَّلَفِ؛ التِي هِيَ مِنْ أَجَلِّ الْمَوَاعِظِ التُّحَفِ، وَحَسْبُنَا مِنْ وَصَايَا السَّلَفِ ... المزيد

 21-02-2020
 
 3016
06-02-2020 4879 مشاهدة
44ـ وصية أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَمِنْ مِيزَاتِهَا التي خَصَّهَا اللهُ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ... المزيد

 06-02-2020
 
 4879
30-01-2020 5205 مشاهدة
43ـ وصية أبي الدرداء لأهل دمشق

طُولُ الأَمَلِ دَاءٌ عُضَالٌ، وَمَرَضٌ مُزْمِنٌ، وَمَتَى تَمَكَّنَ مِنَ القَلْبِ فَسَدَ مِزَاجَهُ، وَصَعُبَ عِلَاجُهُ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ دَاءٌ، وَلَا نَجَعَ فِيهِ دَوَاءٌ، بَلْ أَعْيَا الأَطِبَّاءَ، وَيَئِسَ مِنْ بُرْئِهِ الحُكَمَاءُ وَالعُلَمَاءُ، ... المزيد

 30-01-2020
 
 5205
25-10-2014 17474 مشاهدة
42ـ من وصايا الصالحين: وصية سيدنا عمر لأبي موسى الأشعري رَضِيَ اللهُ عَنهُما

فَإِنَّ لِلنَّاسِ نَفْرَةً عَنْ سُلْطَانِهِمْ، فَأَعُوذُ باللهِ أَنْ يُدْرِكَنِي وَإِيَّاكَ عَمْيَاءُ مَجْهُولَةٌ، وَضَغَائِنُ مَحْمُولَةٌ، فَأَقِمِ الْحُدُودَ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. ... المزيد

 25-10-2014
 
 17474

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414367620
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :