134ـ كلمات في مناسبات: حاجتنا إلى علو الأخلاق وخاصة في شهر شعبان

134ـ كلمات في مناسبات: حاجتنا إلى علو الأخلاق وخاصة في شهر شعبان

134ـ كلمات في مناسبات: حاجتنا إلى علو الأخلاق وخاصة في شهر شعبان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَى عَبْدِهِ أَنْ يَشْفِيَهُ مِنْ دَاءِ الحِقْدِ، وَلَيْسَ أَهْنَأَ للمَرْءِ في الحَقِيقَةِ، وَلَا أَطْرَدَ لِهُمُومِهِ، وَلَا أَقَرَّ لِعَيْنِهِ، مِنْ أَنْ يَعِيشَ سَلِيمَ القَلْبِ، بَرِيئَاً مِنَ وَسَاوِسِ الضَّغِينَةِ، وَثَوَرَانِ الأَحْقَادِ، وَمُسْتَرِيحَاً مِنَ الحِقْدِ الأَعْمَى، فَإِنَّ فَسَادَ القَلْبِ بِالضَّغَائِنِ دَاءٌ عَيَاءٌ، وَمَا أَسْرَعَ أَنْ يَـتَسَرَّبَ الإِيمَانُ مِنَ القَلْبِ المَغْشُوشِ كَمَا يَتَسَرَّبُ المَاءُ مِنَ الإِنَاءِ المَثْلُومِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ الذي تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلى اللهِ تعالى رَبِّ العَالَمِينَ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ كُلَّهُ أَحْيَانَاً، وَيَصُومُ جُلَّهُ أَحْيَانَاً، لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلُهُ إلى اللهِ تعالى وَهُوَ صَائِمٌ، يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلُهُ إلى اللهِ تعالى الذي يَنْظُرُ إلى قُلُوبِ عِبَادِهِ، كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ أَو يُكْثِرُ فِيهِ الصِّيَامَ مَعَ طَهَارَةِ قَلْبِهِ وَسَلَامَتِهِ نَحْوَ الخَلْقِ جَمِيعَاً، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ؛ يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

حَاجَتُنَا إلى عُلُوِّ الأَخْلَاقِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى عُلُوِّ الأَخْلَاقِ، بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى التَّمَاسُكِ، بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى رَفْضِ الحِقْدِ مِنْ نُفُوسِنَا، هَذِهِ الأَزْمَةُ جَعَلَتِ الأَحْقَادَ في قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى أَوْقَعَتْهُمْ في العَدَاوَةِ وَالبَغْضَاءِ التي أَدَّتْ إلى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَعَلَّمْ دَرْسَاً عَمَلِيَّاً مِنْ حَيَاةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، الذي ضَرَبَ للـبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ مَثَلَاً عَالِيَاً جِدَّاً في رَفْضِ الحِقْدِ عَنْ نَفْسِهِ تُجَاهَ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ.

تَأَمَّلُوا عِظَمَ أَخْلَاقِهِ وَمَنْزِلَتِهِ، وَاجْعَلُوهُ أُسْوَةً لَكُمْ؛ لَقَدْ ظَلَمَهُ إِخْوَتُهُ ظُلْمَاً شَدِيدَاً بَيِّنَاً عَظِيمَاً، حَقَدُوا عَلَيْهِ حِقْدَاً لَا مَثِيلَ لَهُ، حَسَدُوهُ عَلَى عِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ أَبِيهِ، أَخَذُوهُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْ أُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَأَغْلَظُوا لَهُ القَوْلَ، وَاجْتَمَعُوا حَوْلَهُ في الفَلَاةِ، لَمْ يَرْدَعْهُمْ صِغَرُ سِنِّهِ، وَلَا الغُرْبَةُ وَالوَحْشَةُ التي سَيَكُونُ فِيهَا، وَلَمْ تَرْدَعْهُمْ وَصِيَّةُ أَبِيهِمْ لَهُمْ، وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ في غَيَابَةِ الجُبِّ، وَأَنْ يَحْرِمُوهُ مِنْ أُمِّهِ وَأَبِيهِ وَأَخِيهِ الأَصْغَرِ.

قُلُوبٌ قَاسِيَةٌ، قُلُوبٌ حَاقِدَةٌ، قُلُوبٌ نُزِعَتْ مِنْهَا الرَّحْمَةُ في تِلْكَ السَّاعَةِ، وَكَانُوا سَبَبَاً في بَيْعِهِ وَجَعْلِهِ عَبْدَاً بَعْدَ أَنْ كَانَ حُرَّاً.

وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً   ***   عَلَى النَّفْسِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ

لَقَدْ كَانُوا سَبَبَاً في ابْتِلَائِهِ وَوُقُوعِهِ في السِّجْنِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الأَفْعَالُ مَاذَا سَتُوَرِّثُ في نَفْسِ الإِنْسَانِ إِذَا حَصَلَ مَعَهُ مِثْلُ هَذَا؟ أَقُولُ وَبِكُلِّ صَرَاحَةٍ: هَذِهِ الأَفْعَالُ تُوَرِّثُ الحِقْدَ الأَسْوَدَ الدَّفِينَ عَلَى الذينَ فَعَلُوا هَذَا الفِعْلَ، إِذَا كَانَ القَلْبُ خَاوِيَاً مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ.

أَمَّا صَاحِبُ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَاللهِ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ في قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ إِيمَانَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِذَلِكَ عِنْدَمَا الْتَقَى مَعَ إِخْوَتِهِ قَالَ بِكُلِّ صَرَاحَةٍ وَوُضُوحٍ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. وَقَالَ لِأَبِيهِ بِكُلِّ صَرَاحَةٍ وَوُضُوحٍ: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾. أَيُّ عَظَمَةٍ هَذِهِ؟

إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ عَزِيزَاً مُحْسِنَاً، كُنْ صَاحِبَ صَدْرٍ سَلِيمٍ، وَتَصَوَّرْ هَذَا المَوْقِفَ ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِي المُتَصَدِّقِينَ * قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَا مَنْ يُرِيدُ العِزَّةَ وَالكَرَامَةَ وَالسُّؤْدُدَ، كُنْ سَلِيمَ القَلْبِ مِنَ الأَحْقَادِ، يَا مَنْ يُرِيدُ نَفْحَةً مِنْ نَفَحَاتِ اللهِ تعالى، كُنْ سَلِيمَ القَلْبِ مِنَ الأَحْقَادِ، يَا مَن يُرِيدُ أَن يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، كُنْ سَلِيمَ القَلْبِ مِنَ الأَحْقَادِ، يَا مَنْ يُرِيدُ مَعِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كُنْ سَلِيمَ القَلْبِ مِنَ الأَحْقَادِ، يَا مَنْ صَدَّقَ اللهَ تعالى في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ كُنْ سَلِيمَ القَلْبِ مِنَ الأَحْقَادِ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا سَلَامَةَ القُلُوبِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 6/ شعبان /1443هـ، الموافق: 9/ آذار / 2022م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

09-04-2024 173 مشاهدة
142ـ كلمات في مناسبات: فجر عيد الفطر 1445 هـ

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَخَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، دَخَلْنَا هَذَ المَوْسِمَ العَظِيمَ، حَيْثُ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، ... المزيد

 09-04-2024
 
 173
28-09-2023 728 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 728
07-03-2023 724 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 724
28-09-2022 662 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 662
09-07-2022 561 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 561
08-07-2022 493 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 493

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3163
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414691592
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :