21ـ لترين الظعينة ترتحل من الحيرة

21ـ لترين الظعينة ترتحل من الحيرة

21ـ لترين الظعينة ترتحل من الحيرة

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ بِهَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الحِيرَةَ؟».

قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا.

قَالَ «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللهَ، ـ قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا البِلَادَ ـ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى».

قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟

قَالَ: «كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، فَلَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ؟

فَيَقُولُ: بَلَى.

فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟

فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ».

قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».

قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ، لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ.

يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفُ أَنَّ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ الذي مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، مِنْ أُمُورٍ غَيْبِيَّةٍ سَتَحْصُلُ في المُسْتَقْبَلِ، فَهِيَ وَاقِعَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ حَصَلَتْ هَذِهِ الأُمُورُ، كَمَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ الأَمِينُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنْهَا سَفَرُ المَرْأَةِ مِنَ الحِيرَةِ إلى مَكَّةِ، وَلَا تَخَافُ إِلَّا اللهَ تعالى، وَقَدْ رَأَى ذَلِكَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ.

وَلَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ جَوَازُ سَفَرِ المَرْأَةِ بِدُونِ مَحْرَمٍ، لِأَنَّ هَذَا الكَلَامَ الذي وَرَدَ مِنْ حَضْرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هُوَ خَبَرٌ بِوُقُوعِ هَذَا الأَمْرِ، وَلَا يَعْنِي الإِخْبَارَ بِحُصُولِ أَمْرٍ مَا، أَنَّهُ يَكُونُ جَائِزًا شَرْعًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ جَائِزًا، أَو غَيْرَ جَائِزٍ، حَسْبَ الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.

لَقَدْ أَخْبَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ انْتِشَارِ الخَمْرِ وَالزِّنَا، وَكَثْرَةِ القَتْلِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَهِيَ أُمُورٌ مُحَرَّمَةٌ، وَهِيَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.

فَالمَقْصُودُ مِنَ الحَدِيثِ أَنَّ الأَمْنَ سَيَنْتَشِرُ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ تَجْتَرِئُ وَتُسَافِرُ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ، وَلَيْسَ المَقْصُودُ أَنَّ سَفَرَهَا بِلَا مَحْرَمٍ جَائِزٌ شَرْعًا، بَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ وَلَو مَعَ وُجُودِ الأَمْنِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ».

وَيَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَيْسَ كُلُّ مَا أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَوْنِهِ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَة يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مَذْمُومًا، فَإِنَّ تَطَاوُلَ الرِّعَاءِ فِي الْبُنْيَان، وَفُشُوَّ الْمَالِ، وَكَوْنَ خَمْسِينَ امْرَأَةً لَهُنَّ قَيِّمٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا شَكٍّ، وَإِنَّمَا هَذِهِ عَلَامَات وَالْعَلَامَة لَا يُشْتَرَط فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ بَلْ تَكُون بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْمُبَاحِ وَالْمُحَرَّمِ وَالْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ.

وَقَدْ نَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ المَرْأَةَ التي لَا مَحْرَمَ لَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الحَجُّ، لِأَنَّ المَحْرَمَ بِالنِّسْبَةِ لَهَا مِنَ السَّبِيلِ، وَاسْتِطَاعَةُ السَّبِيلِ شَرْطٌ في وُجُوبِ الحَجِّ، قَالَ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.

لِذَلِكَ لَا يَجُوزُ للمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ بِدُونِ مَحْرَمٍ إلى الحَجِّ أَو لِغَيْرِهِ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ نَزَلْتَ؟».

قَالَ: عَلَى فُلَانَةَ.

قَالَ: «أَغْلَقْتَ عَلَيْكَ بَابَهَا، لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مُحْرِمٍ».

فَإِذَا كَانَ سَفَرُهَا إلى الحَجِّ لَا يَجُوزُ إِلَّا مَعَ مَحْرَمٍ، فَغَيْرُهُ مِنَ السَّفَرِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى.

وَمِنَ الأُمُورِ التي وَقَعَتْ كَمَا أَخْبَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ آلَتْ للمُسْلِمِينَ بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَمِنَ الأُمُورِ التي وَقَعَتْ كَمَا أَخْبَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِفَاضَةُ المَالِ، وَكَانَ هَذَا في زَمَنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى وَرَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ، جَاءَ في دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ للبَيْهَقِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّمَا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَتَيْنِ وَنِصْفًا ثَلَاثِينَ شَهْرًا لَا وَاللهِ مَا مَاتَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِينَا بِالْمَالِ الْعَظِيمِ فَيَقُولُونَ: اجْعَلُوا هَذَا حَيْثُ تَرَوْنَ فِي الْفُقَرَاءِ فَمَا يَبْرَحُ حَتَّى يَرْجِعَ بِمَالِهِ يَتَذَكَّرُ مَنْ يَضَعُهُ فِيهِمْ فَلَا يَجِدُهُ فَيَرْجِعُ بِمَالِهِ.

قَدْ أَغْنَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ النَّاسَ.

وَيُذْكَرُ أَنَّهُ في زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ أَنَّهُ لَمَّا جِيءَ إِلَيْهِ بِأَمْوَالِ الزَّكَاةِ أَمَرَ بِإِنْفَاقِهَا عَلَى الفُقَرَاءِ، فَقَالُوا: مَا عَادَ في الأُمَّةِ فُقَرَاءُ.

فَأَمَرَ بِتَجْهِيزِ الجَيْشِ، وَتَزْوِيجِ الشَّبَابِ، ثُمَّ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنِ المَدِينِينَ.

وَلَمَّا بَقِيَ مَالٌ قَالَ: اشْتَرُوا بِهِ قَمْحًا وَانْثُرُوهُ عَلَى رُؤُوسِ الجِبَالِ، لِكَيْ لَا يُقَالَ: جَاعَ طَيْرٌ في بِلَادِ المُسْلِمِينَ.

سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، اعْتَنَى بِالفُقَرَاءِ، وَسَوَّى بَيْنَ جِمِيعِ المُسْلِمِينَ في العَطَاءِ، وَكَانَ كُلُّ وَالٍ مِنْ وُلَاتِهِ يُحْصِي عَدَدَ فُقَرَاءِ وِلَايَتِهِ، وَيُقَدِّمُ لَهُمُ المُرَتَّبَاتِ الشَّهْرِيَّةِ وَالإِعَانَاتِ.

ثُمَّ فَرَضَ لِكُلِّ مَوْلُودٍ يُولَدُ في الإِسْلَامِ مُرَتَّبًا.

وَأَقَامَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ مَطَاعِمَ عَامَّةً، وَكَانَ الطَّعَامُ يُقَدَّمُ فِيهَا مَجَّانًا للفُقَرَاءِ.

وَأَمَرَ بِإِحْصَاءِ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَالمَرْضَى، وَذَوِي العَاهَاتِ، وَأَمَرَ بِقَائِدٍ لِكُلِّ أَعْمًى، وَبِخَادِمٍ لِكُلِّ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ القِيَامَ للصَّلَاةِ.

خَصَّصَ للفَلَّاحِينَ عَشَرَاتِ الأُلُوفِ مِنَ الدَّنَانِيرِ، تُقَدَّمُ لَهُمْ لِيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى إِصْلَاحِ أَرَاضِيهِمْ وَاسْتِغْلَالِهَا.

وَفَرَضَ لِكِبَارِ السِّنِّ مُرَتَّبًا شَهْرِيًّا.

أَعْطَى أَصْحَابَ الجِزْيَةِ، وَاشْتَرَ رِقَابًا، فَأَعْتَقَهَا في سَبِيلِ اللهِ تعالى.

نَعَمْ، لَمْ يُوجَدْ في الدُّنْيَا كُلِّهَا مُجْتَمَعٌ يَتَمَتَّعُ بِالطُّمَأْنِينَةِ وَالرَّخَاءِ وَالأَمْنِ مِثْلُ المُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ، الذي يُقِيمُ كِتَابَ اللهِ تعالى، وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

آهٍ، لَو أَنَّ الرُّعَاةَ اليَوْمَ لَو رَجَعُوا إلى دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَسَاسُوا رَعِيَّتَهُمْ حَقَّ السِّيَاسَةِ، وَلَفَازُوا وأَفْلَحُوا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَانْدَرَجُوا تَحْتَ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ ....» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفُ أَنَّ لِقَاءَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ المَوْتِ حَقٌّ، قَالَ تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾.

وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الإِيمَانِ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَبِالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَبِالجَمْعِ في يَوْمِ القِيَامَةِ، وَأَنَّ اللهَ تعالى يُكَلِّمُ العِبَادَ جَمِيعًا، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».

وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. أَو يَقُولُ: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾. أَو يَقُولُ: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾.

وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ: ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾.

فَأَهْلُ الكُفْرِ وَالفِسْقِ وَالفُجُورِ وَالعِصْيَانِ الذينَ مَاتُوا بِدُونِ تَوْبَةٍ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ تعالى كَلَامَ رَحْمَةٍ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. وَلَكِنْ يُكَلِّمُهُمْ كَلَامَ عَذَابٍ أَلِيمٍ، يُخَاطِبُهُمْ بِالتَّقْرِيعِ: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾. ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾. ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾.

فَالإِقْبَالُ عَلَى اللهِ تعالى وَالوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْهِ تَبَارَكَ وتعالى قَرِيبٌ، عَاجِلًا أَوْ آجِلًا، وَيُكَلَّمُ العَبْدُ: «أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ؟» هَلْ أَطَعْتَ أَمْ عَصَيْتَ؟ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَمَاذَا فَعَلْتَ بِهَذَا المَالِ؟

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَكَ وَلِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَوَفِّقْنَا لِأَنْ نَجْمَعَ المَالَ مِنْ حِلِّهِ وَأَنْ نَضَعَهُ في مَحَلِّهِ.

مِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، أَنَّ جَمِيعَ أَعْمَالِنَا مَحْصِيَّةٌ عَلَيْنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَسَوْفَ يَرَاهَا اللهُ تعالى، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالمُؤْمِنُونَ، قَالَ تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

سَوْفَ نَجِدُ جَمِيعَ أَعْمَالِنَا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ».

مَنْ يَحْمِلُ عَنْكَ أَعْمَالَكَ؟ مَنْ يُخَفِّفُ وَطْأَتَهَا عَنْكَ في حِسَابِكَ؟ هَلْ تَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا سَيَحْمِلُ عَنْكَ؟ اسْمَعْ مَا يَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَذِهِ قَضِيَّةٌ مُهِمَّةٌ، اعْلَمْ أَنَّكَ مَسْؤُولٌ عَنْ أَعْمَالِكَ، إِنْ عَرَفْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهَا هِيَ مَبْدَأُ الطَّرِيقِ، وَمِفْتَاحُ الإِصْلَاحِ وَالاسْتِقَامَةِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا».

لَا أَحَدَ يُسْأَلُ عَمَّا فَعَلْتَ، وَلَا تُسْأَلُ عَنْ غَيْرِكَ مَا فَعَلَ، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾.

يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا نَقِيَ أَنْفُسَنَا مِنْ نَارٍ لَظَى، مِنْ نَارٍ لَا يَمُوتُ فِيهَا الإِنْسَانُ وَلَا يَحْيَا، مِنْ نَارٍ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ، مِنْ نَارٍ تَتَمَيَّزُ غَيْظًا، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».

وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟

قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».

وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: «يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا (بِفَتْحِ البَاءِ الثَّانِيَةِ وَكَسْرِهَا، وَهُمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا جَمَاعَاتٌ مِنَ العُلَمَاءِ وَالبَلَالُ المَاءُ، وَمَعْنَى الحَدِيثِ سَأَصِلُهَا، شُبِّهَتْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ بِالحَرَارَةِ وَوَصْلُهَا بِإِطْفَاءِ الحَرَارَةِ بِبُرُودَةٍ وَمِنْهُ بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ أَيْ صِلُوهَا)».

إِنَّهَا النَّارُ، وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّ الكُلَّ حَتْمًا وَارِدُهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾.

إِنَّهَا النَّارُ التي نَسِيَهَا الكَثِيرُ، جَاءَ في كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ للمُنْذِرِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: «لَا تَنْسَوُا العَظيمَتَيْنِ: الجَنَّةَ وَالنَّارَ».

ثُمَّ بَكَى حَتَّى جَرَى أَوْ بَلَّ دُمُوعُهُ جَانِبَيْ لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ؛ لَمَشَيْتُمْ إلى الصَعِيدِ، وَلَحَثَيْتُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمُ التُّرَابَ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى.

إِنَّهَا النَّارُ، جَاءَ في شُعَبِ الإِيمَانِ للبَيْهَقِيِّ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى طَيْرٍ قَدْ وَقَعَ عَلَى شَجَرَةٍ فَقَالَ: طُوبَى لَكَ يَا طَيْرُ، تَطِيرُ فَتَقَعُ عَلَى الشَّجَرِ، ثُمَّ تَأْكُلُ مِنَ الثَّمَرِ، ثُمَّ تَطِيرُ لَيْسَ عَلَيْكَ حِسَابٌ وَلَا عَذَابٌ، يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مِثْلَكَ، وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ فَمَرَّ عَلَيَّ بَعِيرٌ فَأَخَذَنِي فَأَدْخَلَنِي فَاهُ فَلَاكَنِي، ثُمَّ ازْدَرَدْنِي ثُمَّ أَخْرَجَنِي بَعْرًا وَلَمْ أَكُنْ بَشَرًا.

قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ كَبْشَ أَهْلِي سَمَّنُونِي مَا بَدَا لَهُمْ حَتَّى إِذَا كُنْتُ كَأَسْمَنِ مَا يَكُونُ زَارَهُمْ بَعْضُ مَنْ يُحِبُّونَ فَذَبَحُونِي لَهُمْ فَجَعَلُوا بَعْضِي شِوَاءً وَبَعْضَهُ قَدِيدًا، ثُمَّ أَكَلُونِي وَلَمْ أَكُنْ بَشَرًا.

قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ وَتُؤْكَلُ ثَمَرَتِي وَلَمْ أَكُنْ بَشَرًا.

وَهِيَ النَّارُ التي قَالَ فِيهَا الفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَوْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ دَاخِلُونَ الْجَنَّةَ كُلُّكُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا، لَخِفْتُ أَنْ أَكُونَ هُوَ، وَلَوْ نَادَى مُنَادٍ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ دَاخِلُونَ النَّارَ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا، لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ هُوَ. رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ.

وَالتي أَبْكَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في مَرَضِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟

فَقَالَ: «أَمَا إِنِّي لَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنِّي أَبْكِي عَلَى بُعْدِ سَفَرِي، وَقِلَّةِ زادي، وَأَنِّي أَصْبَحْتُ فِي صُعُودٍ مُهْبِطٍ عَلَى جَنَّةٍ وَنَارٍ، لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا يُؤْخَذُ بِي. رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ.

عَلَيْنَا أَنْ نَتَّقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ النَّارِ، بِفِعْلِ المَأْمُورَاتِ، وَتَرْكِ المَحْظُورَاتِ، وَخَاصَّةً المَالَ الحَرَامَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لِنَتَّقِي هَذِهِ النَّارَ بِالصَّدَقَاتِ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، حَسْبَ حَالِ الوَاحِدِ مِنَّا، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».

لِنَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

لِنَتَّقِ اللهَ تعالى، وَلْنَحْذَرْ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، بِالتَّوْبَةِ الصَادِقَةِ، وَبِالصَّدَقَاتِ، وَبِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَبِكُلِّ مَا أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَعْمَالٍ تَكُونُ وِقَايَةً لَنَا مِنَ النَّارِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

وَرَوَى الإِمَامُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي بِالْكُوفَةِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَتْهُ عَنْكَ فَحَدِّثْنِي بِهِ، قَالَ: لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَرِهْتُهُ أَشَدَّ مَا كَرِهْتُ شَيْئًا قَطُّ، فَأَتَيْتُ أَقْصَى أَرْضِ الْعَرَبِ فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ أَرْضَ الرُّومِ وَكُنْتُ أَكْرَهُهُ مِنْ كَرَاهَتِي لِمَا قَبْلُ أَوْ أَشَدَّ، فَقُلْتُ: لَآتِيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَأَسْمَعَنَّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَمَا هُوَ بِضَارِّيِّ، فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ لَا يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ».

فَكَأَنِّي رَأَيْتُ لَهُ عَلَى غَضَاضَةٍ، فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ» مَرَّتَيْنِ.

فَقَالَ: قَدْ أُرَانِي ـ أَوْ قَدْ أَظُنُّ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَلَعَلَّكَ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ عَنِ الْإِسْلَامِ أَنَّكَ تَرَى مِنْ حَوْلِي خَصَاصَةً، إِنَّكَ تَرَى النَّاسَ عَلَيْنَا أَلَبًا».

ثُمَّ قَالَ: «هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟».

قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا وَقَدْ عَرَفْتُ مَكَانَهَا.

قَالَ: «فَلَيُوشِكَنَّ أَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْحَلُ مِنَ الْحِيرَةِ بِغَيْرِ جِوَارٍ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَلَيُفْتَحَنَّ عَلَيْنَا كُنُوزُ كِسْرَى».

قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟

قَالَ: «كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَيُوشِكُ أَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ مَالَهُ صَدَقَةً».

وَقَالَ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْحَلُ وَأَحْلِفُ لَيُفْتَحَنَّ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الْحَقُّ.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 9/ جمادى الأولى /1445هـ، الموافق: 22/ كانون الأول / 2023م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  معجزات ودلائل نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين

08-09-2023 393 مشاهدة
20ـ الشاة المسمومة

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ بِهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، سَلَامَتُهُ مِنَ السُّمِّ المُهْلِكِ لِغَيْرِهِ، وَإِعْلَامُ اللهِ تعالى لَهُ أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ، ... المزيد

 08-09-2023
 
 393
07-08-2023 306 مشاهدة
19ـ إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخْبَرَ إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ... المزيد

 07-08-2023
 
 306
28-07-2023 528 مشاهدة
18ـ ناولني الذراع

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ كَانَ فِي مَجْلِسِ ... المزيد

 28-07-2023
 
 528
27-10-2022 391 مشاهدة
17ـ انكشاف الضمائر النفسية له صلى الله عليه وسلم

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْجِزَةُ انْكِشَافِ الضَّمَائِرِ النَّفْسِيَّةِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. ... المزيد

 27-10-2022
 
 391
05-08-2022 316 مشاهدة
16ـ معجزة كلام الشجر وانقياده

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْجِزَةُ كَلَامِ الشَّجَرِ وَانْقِيَادِهِ. مَا مِنْ شَيْءٍ في الوُجُودِ إِلَّا وَيَشْهَدُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 05-08-2022
 
 316
21-07-2022 490 مشاهدة
15ـ معجزة البركة في الطعام

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَكْرَمَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ البَرَكَةُ في الطَّعَامِ، حَيْثُ يَكْفِي القَلِيلُ مِنْهُ العَدَدَ الكَبِيرَ، وَمُدَّةً طَوِيلَةً مِنَ الزَّمَنِ؛ ... المزيد

 21-07-2022
 
 490

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414229122
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :