17ـ موقف المسلم في أيام الفتن

17ـ موقف المسلم في أيام الفتن

 

مقدمة الموضوع:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيها الإخوة الكرام: كلُّنا يعلم بأنَّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تركنا على المحجة البيضاء، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عن الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ).

وكلُّنا يعلم بأنَّ أسعد الناس هو من أمتثل أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم واتبع هديه، كما قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}. وقال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}.

وكلُّنا يعلم بأنَّ مخالفة أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم سبب للفتنة أو العذاب الأليم، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}.

وكلُّنا يعلم بأنَّ السياسة فنٌ وعلمٌ له أصحابه المختصون، وطوبى لعبد عرف حده فوقف عنده، وطوبى لعبد قال خيراً أو صَمَتْ، جاء في الحديث الشريف الذي رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ). وصدق الله القائل: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.

يا من يريد الحفظ في أيام الفتن:

أيها الإخوة الأحبة: أقول لنفسي ولكل واحد فينا بعض أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم التي تحدثنا عن موقف الإنسان المسلم أيام الفتنة، وليبلغ الشاهدُ الغائبَ كلامَ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

الواحد منا يستطيع أن يرد على أخيه، ولكن من المُسلَّم فيه بأنَّ المؤمن لا يستطيع أن يرد على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، لأن الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول فيه مولانا عز وجل: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}. ويقول كذلك: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله}. ويقول تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}.

أما أنا وأنت عرضة للخطأ، وربما أن يَتَّهِم بعضنا البعض بالنفاق أو الكذب أو الافتراء أو المداهنة وخاصة في أيام الفتن الشديدة القاسية التي يصبح فيها الحليم حيراناً، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانًا). هذا إذا كان حليماً، فكيف بعامة الناس؟

فيا من يريد الحفظ والسلامة والعصمة من الفتن حتى يَسْلَم على دينه ودنياه وآخرته، اسمع إلى بعض أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهو يحدِّث عن الفتن وموقفِ المسلم فيها:

أولاً: جاء في سنن أبي داود، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ، وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَإِنْ دُخِلَ، يَعْنِي عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ، فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ).

أيها الأحبة: هذه الفتن التي تكون بين المسلمين، إن كانت بين أفرادهم أو كانت بين حكَّامهم وشعوبهم، يُرشد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الأمة إلى طريق النجاة منها بقوله: (الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ). لأنَّ رؤيةَ القاعد للفتن ضيِّقة على عكس القائم، فالقائم يرى أكثر من القاعد، وكذلك القائم فيها خيرٌ من الماشي، لأنَّ الماشي في الفتن يعرِّض نفسه لها، وأما الساعي لها هو الذي يتحمل نتائجها يوم القيامة.

وحتى لا يلعب الشيطان بالمؤمن، ولا تسوِّل له نفسه في أيام الفتن في حمل السلاح، قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ، وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَإِنْ دُخِلَ، يَعْنِي عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ، فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ). قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِين * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِين * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِين}.

هذه وصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في أيام الفتن، وقد أكَّد ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هذا في حديث آخر رواه الإمام مسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي فِيهَا، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي إِلَيْهَا، أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟ قَالَ: يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَالَ: يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ).

أيها الإخوة الكرام: كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في هذا الحديث واضح، حيث أَشْهَدَ الله تعالى بأنَّه بلَّغ، وأمرَ الصحابي الذي سأله: (يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَالَ: يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ). أن يكون عبد الله المقتول، وأن لا يكون القاتل.

ثانياً: جاء في صحيح البخاري عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِجَرِيرٍ: (اسْتَنْصِتْ النَّاسَ، فَقَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ).

يحذِّر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الأمة أن يضرب بعضها رقاب بعض، لأنَّ هذا ليس من فعل المؤمن ، بل هو من فعل الكفار.

ثالثاً: جاء في صحيح البخاري عن ابنِ عمرَ رضي اللَّه عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لَنْ يَزَالَ الْمُؤمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَالَمْ يُصِبْ دَماً حَراماً).

أحباب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، باب التوبة مفتوح لكل عاصٍ مهما كانت معصيته إلا في مسألة إراقة دم، فإنه قد ضيَّق على نفسه هذا العاصي، وذلك لقوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.

رابعاً: جاء في صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً، وَتَبْقَى حُثَالَةٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، فَاخْتَلَفُوا وَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالُوا: كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ الله إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: تَأْخُذُونَ بِمَا تَعْرِفُونَ، وَتَدَعُونَ مَا تُنْكِرُونَ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى خَاصَّتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَوَامِّكُمْ).

أحبابنا الكرام: لقد كَثُرَ الهرج والمرج، واختلفت العهود، وضاعت الأمانة، واختلط الصالح بالطالح، والمؤمن بالفاسق، والطائع بالعاصي، في هذا الزمان بدأنا نسمع من العوام من يصدر الأحكام، ويطلب من طلاب العلم بل ومن العلماء أن يكونوا تبعاً لهم، على العكس تماماً من الحقيقة التي يجب أن يكون الناس عليها، وذلك بأن تكون عامة الناس تبعاً لعلمائها.

في هذا الهرجِ والمرجِ واختلاطِ الأمور، يأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عقلاء الأمة، بأن يأخذوا ما يعلمون من علمائهم ويتركوا ما أنكروه ويكونوا مع علمائهم.

خامساً: جاء في سنن أبي داود عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَيْفَ أَنْتُمْ وَأَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَسْتَأْثِرُونَ بِهَذَا الْفَيْءِ؟ قُلْتُ: إِذَنْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ أَضَعُ سَيْفِي عَلَى عَاتِقِي، ثُمَّ أَضْرِبُ بِهِ حَتَّى أَلْقَاكَ أَوْ أَلْحَقَكَ، قَالَ: أَوَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ، تَصْبِرُ حَتَّى تَلْقَانِي).

هل تَفَطَّن العقلاء لكلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟ إذا استأثر الأئمة والحكام بالمال هل يخرج المؤمن بسلاحه أم يصبر؟ لقد جاءت وصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالصبر حتى يلقى الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

سادساً: جاء في سنن الترمذي عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفِتْنَةِ: (كَسِّرُوا فِيهَا قَسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا فِيهَا أَوْتَارَكُمْ، وَالْزَمُوا فِيهَا أَجْوَافَ بُيُوتِكُمْ، وَكُونُوا كَابْنِ آدَمَ).

أيها الأحبة: الفتنة صارت قائمة، ويحركها شياطين الإنس والجن، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يأمر في الفتنة أن تُكَسَّرَ الأسلحة، وأن يلزم العبد جوف البيت، وأن يكون عبد الله المقتول لا القاتل.

هذا إذا كان السلاح من عنده، فكيف إذا كان السلاح يُصدَّر من أعداء الأمة من الصليبية الحاقدة، نعم يُصدِّرون السلاح للفريقين ليقتل المسلم أخاه، ويدفع المال لهم، ثم يتيح الفريقان المجال لتدخل الصليبية الحاقدة في إراقة دماء المسلمين، هل هذا شأن العقلاء؟

ثامناً: جاء في سنن أبي داود، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فَذَكَرَ بَعْضَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: (قَتْلَاهَا كُلُّهُمْ فِي النَّارِ، قَالَ فِيهِ: قُلْتُ: مَتَى ذَلِكَ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ؟ قَالَ: تِلْكَ أَيَّامُ الْهَرْجِ حَيْثُ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ الزَّمَانُ؟ قَالَ: تَكُفُّ لِسَانَكَ وَيَدَكَ وَتَكُونُ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيْتِكَ).

نعم أيها الإخوة: لقد أصبحنا في زمان لا يأمن المرء جليسه، لذلك لا يسعنا إلا أن نكفَّ ألسنتنا وأيدينا في أيام الفتن، وأن نلزم بيوتنا، وصدق الله القائل: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}. وصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم القائل: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ). رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

تاسعاً: وأخيراً جاء في صحيح مسلم عن عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِالله مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ، فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ).

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

أيها الأحبة الكرام: اسمعوا وصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عنْ مَعقِلِ بن يسارٍ، رضي اللَّه عنْهُ، قَالَ: قال رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (العِبَادَةُ في الهَرْجِ كهِجْرةٍ إلَيَّ ).

أكثروا من العبادة في هذه الأيام، أكثروا من تلاوة القرآن العظيم، ومن الذكر، ومن الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن مراقبة بيوتكم، ومن تصحيح معاملاتكم.

واحذروا أن تكونوا سبباً في تأجيج نار الفتن، واعلموا بأنَّ الصليبية الحاقدة تدبر لكم في خفاء، اكظموا غيظكم، والزموا هديَّ نبيكم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وتذكروا حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الذي واه الإمام الترمذي عنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ).

كفوا ألسنتكم وأيديكم، وسلوا الله أن يصرف عن هذه الأمة كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، وأطفئوا نار الفتن ما استطعتم إليها سبيلاً، واحذروا من الانفعال أمام كلماتٍ يصدرها بعض من أراد الفتنة، مثل قولهم لكم: أنتم جبناء، أنتم أذلَّاء، أنتم ترضون الهوان، يقولون لكم: الإسلام ما ربَّاكم على الجبن والخور. سامح الله الجميع، ولا يسعنا إلا أن نأخذ بوصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (تَكُفُّ لِسَانَكَ وَيَدَكَ وَتَكُونُ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيْتِكَ).

اللهم احفظ العباد والبلاد من جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن. آمين. والحمد لله رب العالمين.

**        **     **

 

الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 

التعليقات [ 1 ]

 2011-04-14

جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل وجعله الله في ميزان حسناتكم وجعل ما كتبتم حجة لكم لا عليكم مع تمنياتنا لكم بدوام الصحة والعافية انه سميع مجيب

 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

09-04-2024 158 مشاهدة
142ـ كلمات في مناسبات: فجر عيد الفطر 1445 هـ

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَخَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، دَخَلْنَا هَذَ المَوْسِمَ العَظِيمَ، حَيْثُ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، ... المزيد

 09-04-2024
 
 158
28-09-2023 719 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 719
07-03-2023 710 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 710
28-09-2022 659 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 659
09-07-2022 559 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 559
08-07-2022 488 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 488

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414414456
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :