541ـ خطبة الجمعة: سفر قدسي معجز

541ـ خطبة الجمعة: سفر قدسي معجز

 

541ـ خطبة الجمعة: سفر قدسي معجز

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ اللهُ تعالى في مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾.

يَا أَهْلَ بِلَادِ الشَّامِ، هَذِهِ الآيَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ، وَمَبْدَأٌ عَظِيمٌ في التَّأَسِّي وَالاقْتِدَاءِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ، في صَبْرِهِ وَمُصَابَرَتِهِ، فَلَا عَجْزَ، وَلَا خَوْفَ، وَلَا هَلَعَ في نَفْسِ مَنْ تَأَسَّى بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يَا أَهْلَ هَذَا البَلَدِ الحَبِيبِ، أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ أَيْنَ اقْتِدَاؤُنَا بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

أَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ أَنَّا أَصْبَحْنَا بَعِيدِينَ كُلَّ البُعْدِ عَنْ مَنْهَجِ هَذَا الحَبِيبِ الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّبَعَ البَعْضُ سُبُلَ الشَّيْطَانِ في العَدَاوَةِ وَالبَغْضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ.

سَفَرٌ قُدْسِيٌّ مُعْجِزٌ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَظَلَّ المُسْلِمِينَ في هَذَا الشَّهْرِ المُبَارَكِ ذِكْرَى الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ذِكْرَى السَّفَرِ القُدْسِيِّ المُعْجِزِ الذي جَاءَ عَقِبَ سَفَرٍ مِنْ أَسْفَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في تَبْلِيغِ دَعْوَتِهِ، جَاءَ عَقِبَ سَفَرِهِ إلى الطَّائِفِ.

لَقَدْ أَظَلَّ المُسْلِمِينَ ذِكْرَى هَذَا السَّفَرِ المُعْجِزِ لِيُذَكِّرَهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ العَظِيمَةِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا نَبِيَّهُمْ وَرَسُولَهُمْ وَحَبِيبَهُمْ وَمُصْطَفَاهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِيُعَلِّمَهُمْ أَنَّ مَعَ الـعُسْرِ يُسْرَاً، وَأَنَّهُ بَعْدَ كُلِّ مَحْنَةٍ مِنْحَةٌ، وَبَعْدَ الضِّيقِ الفَرَجُ، وَبَعْدَ الحُزْنِ فَرَحٌ وَسُرُورٌ، وَأَنَّهُ مِنَ المُحَالِ دَوَامُ الحَالِ، وَأَنَّ العَاقِبَةَ للمُتَّقِينَ، وَأَنَّ اللهَ تعالى مُهْلِكٌ للظَّالِمِينَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا السَّفَرُ القُدْسِيُّ المُعْجِزُ دَرْسٌ لِجَمِيعِ أَجْيَالِ هَذِهِ الأُمَّةِ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَالعِبْرَةُ مِنْهُ مُسْتَمَدَّةٌ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، فَالمَسْجِدُ الحَرَامُ مَا زَالَ مَوْجُودَاً بِحَمْدِ اللهِ تعالى، وَهُوَ قِبْلَةُ المُسْلِمِينَ، وَالمَسْجُدُ الأَقْصَى مَا زَالَ مَوْجُودَاً لَا سَبِيلَ لِإِزَالَتِهِ، وَرَبُّ البَيْتِ الحَرَامِ وَالمَسْجِدِ الأَقْـصَى إِلَهٌ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، فَـ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلَاً مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الْأَقْـصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

مَعَانِي الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: ذِكْرَى الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ تَحْمِلُ في طَيَّاتِهَا مَعَانياً جَلِيلَةً، وَمَقَاصِدَ نَبِيلَةً، لَقَدْ كَانَتْ تَسْلِيَةً لِفُؤَادِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ فَقَدَ عَمَّهُ الشَّفِيقَ النَّاصِرَ الذي كَانَ يَحُوطُهُ وَيُعَزِّرُهُ، وَانْطَفَأَ سِرَاجُ البَيْتِ بِفَقْدِ الزَّوْجَةِ الحَبِيبَةِ المُؤْنِسَةِ، التي كَانَتْ تُعِينُهُ وَتَنْصُرُهُ.

لَقَدْ كَانَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ بَعْدَ سَفَرِهِ إلى الطَّائِفِ لِيُؤْوُوهُ وَيَنْصُرُوهُ فَلَمْ يَجِدْ بُغْيَتَهُ عِنْدَهُمْ.

لَقَدْ كَانَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ تَجْدِيدَاً لِعَزْمِهِ وَثَبَاتِهِ، وَدَعْمَاً لِصَبْرِهِ وَشَجَاعَتِهِ، حَتَّى جَعَلَتْهُ يَسْتَهِينُ بِكُلِّ مَا حَصَلَ وَاعْتَرَضَ طَرِيقَ دَعْوَتِهِ إلى اللهِ تعالى، فَاللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى مَعِيَّتُهُ لَا تَنْقَطِعُ عَنْ أَنْبِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ، الذينَ صَبَرُوا وَصَابَرُوا مُمْتَثِلِينَ قَولَهُ تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. وَمَنْ كَانَ اللهُ مَعَهُ فَلَنْ يَدَعَهُ في المِحْنَةِ، بَلْ سَيَنْقُلُهُ إلى مِنْحَةٍ طَالَ الزَّمَنُ أَمْ قَصُرَ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾.

هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ جَاءَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ دِينَ اللهِ تعالى لَيْسَ لَهُ حُدُودٌ يَقِفُ عِنْدَهَا، وَلَا مَعَالِمُ يَجِبُ أَنْ لَا يَتَخَطَّاهَا.

فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ بِمَكَّةَ، وَدَعَا فِيهَا إلى اللهِ تعالى وَفي الطَّائِفِ، وَأُسْرِيَ بِهِ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، وَهَاجَرَ إلى المَدِينَةِ، وَهَاجَرَ أَصْحَابُهُ إلى الحَبَشَةِ؛ فَالأَرْضُ للهِ تعالى يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، فَكَانَ أَهْلُ هَذِهِ البِلَادِ حَمَلَةً لِدِينِ اللهِ تعالى جِيلَاً عَقِبَ جِيلٍ «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ المَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ بِسِرِّ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ أَخْرِجْنَا مِنْ هَذَا الهَمِّ وَالغَمِّ وَالكَرْبِ العَظِيمِ، وَاحْفَظْ بِلَادَ الشَّامِ المُبَارَكَةَ مِنْ شَرِّ الأَشْرَارِ، وَحِقْدِ الحَاقِدِينَ، وَإِجْرَامِ المُجْرِمِينَ، وَإِفْسَادِ المُفْسِدِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 24/ رجب /1438هـ، الموافق: 21/ نيسان / 2017م

 2017-04-20
 1540
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 200 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 200
10-05-2024 352 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 352
02-05-2024 585 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 585
26-04-2024 546 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 546
19-04-2024 840 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 840
12-04-2024 1575 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1575

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414957247
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :