630ـ خطبة الجمعة: لا ترفع صوتك في هذا المسجد

630ـ خطبة الجمعة: لا ترفع صوتك في هذا المسجد

 

630ـ خطبة الجمعة: لا ترفع صوتك في هذا المسجد

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الأَدَبَ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ، وَقَدْ عَلَّمَ اللهُ تعالى الأُمَّةَ الأَدَبَ في مُخَاطَبَةِ نَبِيِّهَا الأَكْرَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدَاً وَمُـبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً * لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلَاً﴾.

وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ تعالى مَنْ تَعَمَّدَ الإِسَاءَةَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المَصِيرُ﴾.

فَمِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَأَدَّبَ مَعَهُ، في حَالِ حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ الْتِحَاقِهِ بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى، لِأَنَّ الأَدَبَ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْتِحَاقِهِ بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى وَاجِبٌ، كَمَا كَانَ وَاجِبَاً في حَالِ حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: الحَقِيقَةُ  بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اللهُ تعالى، لِذَلِكَ جَاءَ القُرْآنُ لِيُؤَدِّبَنَا وَيُعَلِّمَنَا كَيْفَ يَكُونُ الأَدَبُ مَعَ صَاحِبِ المَقَامِ المَحْمُودِ، وَالحَوْضِ المَوْرُودِ.

لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِي هَذَا المَسْجِدِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: حُرْمَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ انْتِقَالِهِ إلى الرَّفِيقِ الأَعْلَى وَتَوْقِيرُهُ وَتَعْظِيمُهُ لَازِمٌ، كَمَا كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذِكْرِ حَدِيثِهِ الشَّرِيفِ، وَسُنَّتِهِ المُطَهَّرَةِ، وَعِنْدَ سَمَاعِ اسْمِهِ وَسِيرَتِهِ العَطِرَةِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ مَتَى ذَكَرَهُ، أَو ذُكِرَ عِنْدَهُ، أَنْ يَخْضَعَ وَيَخْشَعَ وَيُوَقِّرَ، وَيَأْخُذَ في هَيْبَتِهِ وَإِجْلَالِهِ بِمَا كَانَ يَأْخُذُ بِهِ نَفْسَهُ لَو كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يَتَأَدَّبَ بِمَا أَدَّبَنَا اللهُ تعالى بِهِ.

جَاءَ في كِتَابِ الشِّفَا: عَنْ ابْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: نَاظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ مَالِكَاً فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِي هَذَا المَسْجِدِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَدَّبَ قَوْمَاً فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾.

وَمَدَحَ قَوْمَاً فَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.

وَذَمَّ قَوْمَاً فَقَالَ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾. وَإِنَّ حُرْمَتَهُ مَيتَاً كَحُرْمَتِهِ حَيَّاً.

فَاسْتَكَانَ لَهَا أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَأَدْعُو، أَمْ أَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَ: وَلم تَصْرِفُ وَجْهَكَ عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُكَ وَوَسِيلَةُ أَبِيكَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى اللهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ بَلِ اسْتَقْبِلْهُ واسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعهُ اللهُ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابَاً رَحِيمَاً﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنَ الأُسُسِ التي تُمَيِّزُ الشَّخْصِيَّةَ المُسْلِمَةَ أَسَاسُ المُعَامَلَةِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي هُوَ مِنَّةُ اللهِ تعالى عَلَى عِبَادِهِ ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولَاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.

وَالتَّعَامُلُ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي التَّأَدُّبَ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَمَامَ الأَدَبِ، وَتَقْدِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ حَقَّ التَّقْدِيرِ وَالتَّوْقِيرِ.

وَمِنَ الأَدَبِ مَعَهُ أَنْ لَا تَرْفَعَ صَوْتَكَ في حَضْرَةِ مَنْ يُحَدِّثُكَ بِحَدِيثِهِ الـشَّرِيفِ، أَو يَقْرَأُ عَلَيْكَ سِيرَتَهُ، أَو يُذَكِّرُكَ بِشَرِيعَتِهِ، وَأَنْ لَا تَفْتَحَ جَوَّالَكَ أَثْنَاءَ الحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ لَا تَقُومَ مِنْ مَجْلِسٍ يُذْكَرُ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِعَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا الأَدَبَ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 29/ ربيع الأول /1440هـ، الموافق: 7/ كانون الأول / 2018م

 2018-12-07
 3554
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 200 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 200
10-05-2024 354 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 354
02-05-2024 586 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 586
26-04-2024 547 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 547
19-04-2024 840 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 840
12-04-2024 1578 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1578

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414958421
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :