13-دروس رمضانية 1437هـ: المؤمن الحق هو الراضي بحكم الله تعالى

13-دروس رمضانية 1437هـ: المؤمن الحق هو الراضي بحكم الله تعالى

.

دروس رمضانية 1437هـ

13ـ المؤمن الحق هو الراضي بحكم الله تعالى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَادَ اللهُ تعالى سَعَادَةَ العَبْدِ شَرَحَ صَدْرَهُ للإِسْلَامِ، وَحَبَّبَ إلى قَلْبِهِ الإِيمَانَ.

فَالسَّعِيدُ هُوَ الذي مَلَأَ اللهُ تعالى قَلْبَهُ إِيمَانَاً بِاللهِ تعالى، وَإِيمَانَاً بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، فَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ، لَا تَتَبَدَّلُ أَحْوَالُهُ وَلَا تَتَغَيَّرُ بِتَبَدُّلِ وَتَغْيِيرِ الأَقْدَارِ.

السَّعِيدُ هُوَ مَنْ يُؤْمِنُ وَيُوقِنُ بِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتعالى يَعْلَمُ مَا كَانَ، وَمَا يَكُونُ، وَمَا سَيَكُونُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَو كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، السَّعِيدُ هُوَ مَنْ يَعْلَمُ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، السَّعِيدُ هُوَ مَنْ يَعْلَمُ بِأَنَّ النَّاسَ لَو اجْتَمَعُوا على أَنْ يُنْفِذُوا أَمْرَاً لَمْ يَشَأْهُ اللهُ تعالى في مَلَكُوتِهِ فَلَنْ يَقَعَ.

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الرَّاضِي بِحُكْمِ اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الرَّاضِي بِحُكْمِ اللهِ تعالى، الصَّابِرُ على قَضَائِهِ، الحَامِدُ في الـسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، يَقُولُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: أَوْحَى اللهُ إلى دَاوُدَ: أَسْرَعُ النَّاسِ مُرُورَاً على الصِّرَاطِ الذينَ يَرْضَوْنَ بِحُكْمِي، وَأَلْسِنَتُهُمْ رَطْبَةٌ مِنْ ذِكْرِي.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبَاً فِي سَبِيلِ اللهِ مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ مَدَحَ اللهُ تعالى المُؤْمِنِينَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، الصَّابِرِينَ على مَا أَصَابَهُمْ مِمَّا لَا يُحِبُّونَ، بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَـشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُهْتَدُونَ﴾.

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ في سَعَادَةٍ لَو عَلِمَ بِهَا المُلُوكُ وَأَبْنَاؤُهُمْ لَجَالَدُوهُ عَلَيْهَا بِالسُّيُوفِ.

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ مَنِ امْتَلَأَ قَلْبُهُ ثِقَةً بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْـمُؤْمِنُونَ﴾.

المُؤْمِنُ الحَقُّ يَرَى جَمِيعَ قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ في حَقِّهِ، بِشَهَادَةِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ قَالَ: «عَجَبَاً لِأَمْرِ الْـمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾. هَذِهِ سُنَّةُ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ لِكَشْفِ مَعَادِنِ نُفُوسِهِمْ، وَطَبَائِعِ قُلُوبِهِمْ، وَتَمْيِيزِ المُؤْمِنِ مِنَ الكَافِرِ، وَالصَّادِقِ مِنَ الكَاذِبِ، وَالمُخْلِصِ مِنَ المُنَافِقِ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلَاً وَلَا تَحْوِيلَاً.

الأَيَّامُ دُوَلٌ، يَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ عَلَيْنَا، يَوْمٌ يَسُوءُنَا وَيَوْمٌ يَسُرُّنَا، نَتَقَلَّبُ بَيْنَ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالـعُسْرِ وَالـيُسْرِ، وَالخَفْضِ وَالرَّفْعِ، وَالذُّلِّ وَالعِزِّ، وَالحُزْنِ وَالفَرَحِ؛ وَالمُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَتَدَبَّرُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئَاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَو عَلِمَ الإِنْسَانُ أَنَّ  الأقْدَارَ  بِيَدِ اللهِ تعالى، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَحْدُثُ في الكَوْنِ قَدْ سَبَقَ في عِلْمِ اللهِ تَقْدِيرُهُ، وَمَحْسُوبٌ حِسَابُهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَقَبْلَ خَلْقِ الإِنْسَانِ، لَو عَلِمَ ذَلِكَ وَآمَنِ بِهِ لَمَا اشْتَدَّ بِهِ الحُزْنُ اشْتِدَادَاً يُخْرِجُهُ عَنِ اسْتِوَائِهِ، وَلَمَا أَلَمَّ بِهِ الأَسَى إلى حَدِّ الجَزَعِ، وَلَعَلِمَ أَنَّ مَا سَبَقَ بِهِ العِلْمُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، رَضِيَ الإِنْسَانُ أَمْ لَمْ يَرْضَ ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ المُوقِنِينَ، وَمِنَ المُتَّقِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا يَوْمَ الدِّينِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 7/ رمضان /1437هـ، الموافق: 12/ حزيران / 2016م

 2016-06-12
 592
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 358 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 358
26-05-2022 711 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 711
26-05-2022 535 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 535
29-04-2022 400 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 400
29-04-2022 842 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 842
29-04-2022 967 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 967

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3163
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414697444
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :