مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم
110ـ أم سليم وأبو طلحة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في ذروة الإيمان
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الإِنْسَانُ الصَّابِرُ عَلَى المِحَنِ وَالمَصَائِبِ، لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّهَا بِقَضَاءِ اللهِ تعالى وَقَدَرِهِ، قَالَ تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾.
الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ صَابِرٌ عَلَى المِحَنِ وَالمَصَائِبِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى وَعَدَهُ عَلَى الصَّبْرِ بِثَلَاثِ خِصَالٍ، كُلُّ خَصْلَةٍ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا نَزَلَتْ مُصِيبَةٌ بِالإِنْسَانِ فَعَلَيْهِ بِالصَّبْرِ مَهْمَا عَظُمَتْ تِلْكَ المُصِيبَةُ، لِأَنَّهُ سَيَجِدُ في الحَقِيقَةِ أَنَّ المِحْنَةَ مِنْحَةٌ مِنَ اللهِ تعالى، بَلْ مِنْ أَعْظَمِ المِنَحِ.
الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ تعالى هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّهُ هُوَ المَحْمُودُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، لِذَا يَنْظُرُ إلى المِحْنَةِ بِأَنَّهَا مِنْحَةٌ مِنَ اللهِ تعالى.
فَهِيَ تَدْفَعُهُ لِمُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾.
وَهِيَ سَبَبٌ لِتَكْفِيرِ ذُنُوبِهِ وَخَطَايَاهُ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذَىً، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». فَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ.
وَهِيَ سَبَبٌ للفَوْزِ بِوَعْدِ اللهِ تعالى للصَّابِرِينَ ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
أُمُّ سُلَيْمٍ وَأَبُو طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في ذُرْوَةِ الإِيمَانِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا سَبَبَاً في إِسْلَامِ زَوْجِهَا أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ.
وَسُنَّةُ اللهِ تعالى في عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ الابْتِلَاءُ، قَالَ تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾. فَابْتَلَى اللهُ تعالى أُمَّ سُلَيْمٍ وَأَبَا طَلْحَةَ بِفَقْدِ وَلَدِهِمَا الأَوَّلِ، فَكَانَا قِمَّةً في الصَّبْرِ عَلَى هَذِهِ المُصِيبَةِ.
لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ تعالى أَبَا طَلْحَةَ بِوَلَدٍ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَمَلَأَ عَلَيْهِمَا حَيَاتَهُمَا سَعَادَةً وَسُرُورَاً، وَكَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُمَازِحُهُ وَيُدَاعِبُهُ، روى الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تعالى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيُخَالِطُنَا، حَتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ». مُصَغَّرُ نُغَرٍ، وَهُوَ طَيْرٌ كَالعُصْفُورِ، يُسَمَّى: البُلْبُلَ.
وفي رِوَايَةٍ عِنْدَ الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ تعالى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَلَهَا ابْنٌ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ، وَكَانَ يُمَازِحُهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَرَآهُ حَزِينَاً.
فَقَالَ: «مَالِي أَرَى أَبَا عُمَيْرٍ حَزِينَاً؟».
فَقَالُوا: مَاتَ نُغَرُهُ الَّذِي كَانَ يَلْعَبُ بِهِ.
قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: «أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سُنَّةُ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ أَنَّهُ يُعْطِي للابْتِلَاءِ، وَيَأْخُذُ للابْتِلَاءِ، يُعْطِي لِيَرَى شُكْرَ العَبْدِ، وَيَأْخُذُ لِيَرَى صَبْرَ العَبْدِ، فَإِذَا شَكَرَ كَانَ مِنَ النَّاجِحِينَ، وَإِذَا صَبَرَ كَانَ مِنَ النَّاجِحِينَ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ شَكَرَ في العَطَاءِ، وَصَبَرَ في الأَخْذِ وَالمَنْعِ.
روى أبو يعلى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ لَهُ ابْنٌ يُكْنَى: أَبَا عُمَيْرٍ.
قَالَ: فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟».
قَالَ: فَقُبِضَ وَأَبُوطَلْحَةَ غَائِبٌ فِي بَعْضِ حِيطَانِهِ، فَهَلَكَ الصَّبِيُّ، فَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَغَسَّلَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ وَسَجَّتْ عَلَيْهِ ثَوْبَاً، وَقَالَتْ: لَا يَكُونُ أَحَدٌ يُخْبِرُ أَبَا طَلْحَةَ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أُخْبِرُهُ.
فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ كَالَّاً وَهُوَ صَائِمٌ، فَتَطَيَّبَتْ لَهُ وَتَصَنَّعَتْ لَهُ، وَجَاءَتْ بِعَشَائِهِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَبُو عُمَيْرٍ؟
قَالَتْ: قَدْ فَرَغَ.
فَتَعَشَّى وَأَصَابَ مِنْهَا مَا يُصِيبُ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ.
فَقَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَرَأَيْتَ أَهْلَ بَيْتٍ أَعَارُوا أَهْلَ بَيْتٍ عَارِيَةً فَطَلَبَهَا أَصْحَابُهَا، أَيَرُدُّونَهَا أَوْ يَحْبِسُونَهَا؟
قَالَ: بَلْ يَرُدُّونَهَا عَلَيْهِمْ.
فَقَالَتْ: احْتَسِبْ أَبَا عُمَيْرٍ.
قَالَ: فَغَضِبَ، فَانْطَلَقَ كَمَا هُوَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَفِعْلِهَا.
فَقَالَ: «بَارِكَ اللهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا».
قَالَ: فَحَمَلَتْ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَتَّى إِذَا وَضَعَتْهُ كَانَ يَوْمَ السَّابِعِ، قَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهَذَا الصَّبِيِّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا الْمِكْتَلُ (الوِعَاءُ) فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَجْوَةٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُحَنِّكُهُ وَيُسَمِّيهِ.
فَمَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رِجْلَيْهِ وَأَضْجَعَهُ فِي حِجْرِهِ، وَأَخَذَ تَمْرَةً فَلَاكَهَا فِي فِيِّ الصَّبِيِّ، فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَبَتِ الْأَنْصَارُ إِلَّا حُبَّ التَّمْرِ».
وفي رِوَايَةٍ للإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ، مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ.
قَالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً، فَأَكَلَ وَشَرِبَ.
فَقَالَ: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَوَقَعَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا، قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمَاً أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟
قَالَ: لَا.
قَالَتْ: فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ.
قَالَ: فَغَضِبَ، وَقَالَ: تَرَكْتِنِي حَتَّى تَلَطَّخْتُ، ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي.
فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا».
قَالَ: فَحَمَلَتْ.
قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَهِيَ مَعَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى المَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ، لَا يَطْرُقُهَا طُرُوقَاً، فَدَنَوْا مِنَ المَدِينَةِ، فَـضَرَبَهَا المَخَاضُ فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ، وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ، وَقَدِ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى.
قَالَ: تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ، انْطَلِقْ.
فَانْطَلَقْنَا، قَالَ: وَضَرَبَهَا المَخَاضُ حِينَ قَدِمَا، فَوَلَدَتْ غُلَامَاً؛ فَقَالَتْ لِي أُمِّي: يَا أَنَسُ، لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ.
فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ، فَوَضَعَ الْمِيسَمَ (الْمِيسَمُ: هُوَ اﻵلَةُ التي تُوسَمُ بِهَا الدَّوَابُّ، وَهِيَ حَدِيدَةٌ كَالمِكْوَاةِ تُوسَمُ بِهَا جُلُودُ الدَّوَابِّ لِتُعْرَفَ عِنْدَ اخْتِلَاطِ الدَّوَابِّ).
قَالَ: وَجِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ المَدِينَةِ، فَلَاكَهَا فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَتْ، ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِيِّ الصَّبِيِّ، فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ».
قَالَ: فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السَّعِيدُ المُوَفَّقُ مَنْ صَبَرَ عَلَى المَصَائِبِ، لِأَنَّ عَوَاقِبَهَا أَحْلَى مِنَ العَسَلِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى قَالَ: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾. وَقَالَ: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئَاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
السَّعِيدُ المُوَفَّقُ مَنْ قَالَ عِنْدَ المُصِيبَةِ: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرَاً مِنْهَا، روى الإمام مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾. اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرَاً مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا».
قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ المُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ.
فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتَاً وَأَنَا غَيُورٌ.
فَقَالَ: «أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ».
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ عِنْدَ الرَّخَاءِ، وَمِنَ الصَّابِرِينَ عِنْدَ البَلَاءِ، وَمِنَ الرَّاضِينَ بِمُرِّ القَضَاءِ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الخميس: 27/ صفر الخير /1439هـ، الموافق: 16/ تشرين الثاني / 2017م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد
الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد
إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد
لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد
إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد
زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد