404ـ خطبة عيد الأضحى المبارك: عيد الأضحى ربطنا بالخليلين عليهما الصلاة والسلام

404ـ خطبة عيد الأضحى المبارك: عيد الأضحى ربطنا بالخليلين عليهما الصلاة والسلام

 

 404ـ خطبة عيد الأضحى المبارك: عيد الأضحى ربطنا بالخليلين عليهما الصلاة والسلام

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ من الأُمَمِ عِيدَاً، يَذكُرُونَ فِيهِ عَقِيدَتَهُم وأخلاقَهُم وسِيَرَ رِجَالِهِم، فمن هذهِ الأَعيَادِ أَعيَادٌ شَرَعَهَا البَشَرُ لأَنفُسِهِم، وهيَ بَعِيدَةٌ كُلَّ البُعْدِ عن دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومِنهَا أَعيَادٌ شَرَعَهَا اللهُ تعالى لِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ.

روى الإمام أحمد وأبو داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟».

قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ».

أَعيَادُنَا بَعدَ طَاعَاتٍ عَظِيمَةٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ، لقد أَكرَمَنَا اللهُ تعالى بِعِيدَينِ، كُلُّ عِيدٍ مِنهُمَا يَأتِي بَعدَ أَدَاءِ رُكنٍ عَظِيمٍ من أَركَانِ الإسلامِ، فَعِيدُ الفِطْرِ يَأتِي بَعدَ أَدَاءِ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، وعِيدُ الأَضحَى يَأتِي بَعدَ أَدَاءِ فَرِيَضَةِ الحَجِّ.

عِيدُ الأَضحَى رَبَطَنَا بالخَلِيلَينِ عَلَيهِمَا الصَّلاةُ والسَّلامُ:

يَا عِبَادَ اللهِ، في عِيدِ الأَضحَى تَتَذَّكَّرُ الأُمَّةَ تَارِيخَهَا المَجِيدَ في مَاضِيهَا المُشرِقِ السَّحِيقِ، تَتَذَكَّرُ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

تَتَذَكَّرُ الأُمَّةُ أنَّ دِينَهَا القَوِيمَ هوَ الدِّينُ النَّاسِخُ لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ، فلا يَقبَلُ اللهُ تعالى غَيرَ الإسلامِ دِينَاً بَعدَ بِعثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

ويَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ، عِيدُ الأَضحَى يَربِطُنَا بِسَيِّدِنَا إبرَاهِيمَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ خَلِيلِ الرَّحمنِ، ويَربِطُنَا بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَلِيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، روى الإمام أحمد وابن ماجه عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ؟

قَالَ: «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ».

قَالُوا: مَا لَنَا مِنْهَا؟

قَالَ: «بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالصُّوفُ؟

قَالَ: «بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِن الصُّوفِ حَسَنَةٌ».

أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ تعالى:

يَا عِبَادَ اللهِ، إنَّ يَومَ النَّحْرِ يَومٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ فَضِيلٌ، وهوَ أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ تعالى، روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ النَّفْرِ» وفي روايةِ أبي داود: «ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ». وهو اليَومُ الذي يَلِي يَومَ النَّحْرِ، حَيثُ يَقِرُّ الحُجَّاجُ فِيهِ بِمِنَى.

العَمَلُ الصَّالِحُ في هذا اليَومِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، هذا هوَ اليَومُ الأَخِيرُ من أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، التي يُحِبُّ اللهُ تعالى فِيهَا العَمَلَ الصَّالِحَ أَكثَرَ من غَيرِهَا، ومن العَمَلِ الصَّالِحِ فِيهَا أن يَتَقَرَّبَ العَبدُ إلى اللهِ تعالى بِإرَاقَةِ دَمِ أُضحِيَةٍ.

روى الترمذي وابن ماجه ـ واللَّفظُ لَهُ ـ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلاً أَحَبَّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِن اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً».

وروى الحاكم عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا الصَّلاةُ والسَّلامُ: «قُومِي إلى أُضحِيَتِكِ فَاشهَدِيهَا، فإنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقطُرُ من دَمِهَا يُغفَرُ لَكِ ما سَلَفَ من ذُنُوبِكِ»

قَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، هذا لَنَا أَهلَ البَيتِ خَاصَّةً، أو لَنَا ولِلمُسلِمِينَ عَامَّةً؟

قَالَ: «بَل لَنَا ولِلمُسلِمِينَ عَامَّةً».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، اُشكُرُوا اللهَ تعالى على ما مَنَّ بِهِ عَلَيكُم من نِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ، اُشكُرُوا اللهَ تعالى على ما سَنَّهُ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الأُضحِيَةِ في هذا اليَومِ، حَيثُ خَيرُ هذهِ الأُضحِيَةِ عَائِدٌ لَنَا، بِمَغفِرَةِ ذُنُوبِنَا إن شَاءَ اللهُ تعالى، فَضَحُّوا يَا عِبَادَ اللهِ، وسَلُوا اللهَ تعالى بِبَرَكَةِ دِمَاءِ الأَضَاحِي أن يَحقِنَ دِمَاءَ المُسلِمِينَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لما يُرضِيكَ عَنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

السبت: 10/ذو الحجة/1435هـ، الموافق: 4/تشرين الأول/ 2014م

 2014-10-04
 29272
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

02-05-2024 223 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 223
26-04-2024 296 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 296
19-04-2024 474 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 474
12-04-2024 1199 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1199
09-04-2024 678 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 678
04-04-2024 816 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 816

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414523837
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :