519ـ خطبة الجمعة: لا تضيع مستقبلك في الآخرة بأكل أموال الناس بالباطل

519ـ خطبة الجمعة: لا تضيع مستقبلك في الآخرة بأكل أموال الناس بالباطل

 

519ـ خطبة الجمعة: لا تضيع مستقبلك في الآخرة بأكل أموال الناس بالباطل

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

يَا عِبَادَ اللهِ: المَالُ الذي رَزَقَنَا اللهُ تعالى إِيَّاهُ هُوَ وَسِيلَةُ العَيْشِ، وَهُوَ عَصَبُ الحَيَاةِ، وَهُوَ الأَصْلُ الذي تَقُومُ عَلَيْهِ الحَرَكَةُ المَعِيشِيَّةُ.

وَالإِنْسَانُ بِشَكْلٍ عَامٍّ يُحِبُّ المَالَ بِفِطْرَتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾. وَالمَالُ خَيْرٌ، وَالإِنْسَانُ يُحِبُّ الخَيْرَ، يَعْنِي يُحِبُّ المَالَ، لِأَنَّهُ بِهِ يَتَقَرَّبُ إلى اللهِ تعالى بِالإِنْفَاقِ على نَفْسِهِ، وَعَلَى عِيَالِهِ، وَبِهِ يَتَقَرَّبُ إلى اللهِ تعالى بِالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ، وَخِدْمَةِ أَصْحَابِ الحَاجَةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: وَالإِنْسَانُ بِفِطْرَتِهِ لَا يُحِبُّ وَلَا يَرْضَى أَنْ يَتَعَدَّى أَحَدٌ على مَالِهِ، وَلَا يُحِبُّ أَنْ تُبْخَسَ حُقُوقُهُ، وَلِهَذَا جَاءَ الإِسْلَامُ بِتَشْرِيعٍ لِيَصُونَ فِيهِ أَمْوَالَ النَّاسِ، فَخَاطَبَ أَتْبَاعَهُ، خَاطَبَ المُؤْمِنِينَ الذينَ آمَنُوا بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمَاً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانَاً وَظُلْمَاً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارَاً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرَاً﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالَاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» رواه الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» رواه البيهقي عَنْ أَبِي حَرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ.

أَسْمِعُوا مَنْ سَوَّلَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ الأَزْمَةُ وَهَذِهِ الحَرْبُ كَشَفَتْ مَعَادِنَ النَّاسِ، وَمَيَّزَتْ بَيْنَ الطَّائِعِ وَالعَاصِي، وَبَيْنَ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، مَيَّزَتْ بَيْنَ الذي يَخَافُ اللهَ تعالى وَاليَوْمَ الآخِرَ وَبَيْنَ الذي لَا يَخَافُ.

لِذَا كَانَ مِنَ الوَاجِبِ عَلَيْنَا أَنْ نُذَكِّرَ هَؤُلَاءِ الذينَ اجْتَرَأُوا على أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، فَجَمَعُوا على النَّاسِ الهَمَّ فَوْقَ الهَمِّ، وَالكَرْبَ فَوْقَ الكَرْبِ، وَالبَلَاءَ فَوْقَ البَلَاءِ، جَمَعُوا على مَنْ هُجِّرُوا مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَشُرِّدُوا، بِأَنْ سَلَبُوا مُمْتَلَكَاتِهِمْ وَأَثَاثَاتِ بُيُوتِهِمْ، فَنَقُولَ لَهُمْ: اسْمَعُوا يَا مَنْ سَوَّلَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ:

أولاً: تُوبُوا إلى اللهِ تعالى قَبْلَ مَوْتِكُمْ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أُخَاطِبُ هَؤُلَاءِ الذينَ سَوَّلَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ شَفُوقٍ عَلَيْهِمْ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ حَرِيصٍ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَيَاعِ مُسْتَقْبَلِهِمْ في الآخِرَةِ، فَأَقُولُ لَهُمْ:

تُوبُوا إلى اللهِ تعالى قَبْلَ مَوْتِكُمْ، لِأَنَّ المَوْتَ آتٍ لَا مَحَالَةَ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْـمَوْتِ﴾. ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾. تُوبُوا إلى اللهِ تعالى قَبْلَ مَوْتِكُمْ، وَأَعِيدُوا الحُقُوقَ لِأَصْحَابِهَا، وَأُذَكِّرُكُمْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَـضَرَ أَحَدَهُمُ الْـمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَاً أَلِيمَاً﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْـمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

تُوبُوا إلى اللهِ تعالى، وَاصْدُقُوا في تَوْبَتِكُمْ، ثمَّ أَبْـشِرُوا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْـمُتَطَهِّرِينَ﴾.

ثانياً: احْذَرُوا الفَضِيحَةَ يَوْمَ القِيَامَةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أُخَاطِبُ هَؤُلَاءِ الذينَ سَوَّلَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ شَفُوقٍ عَلَيْهِمْ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ حَرِيصٍ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَيَاعِ مُسْتَقْبَلِهِمْ في الآخِرَةِ، فَأَقُولُ لَهُمْ:

احْذَرُوا الفَضِيحَةَ يَوْمَ القِيَامَةِ، ذَاكَ اليَوْمُ الذي يَقِفُ فِيهِ أَصْحَابُ اليَمِينِ فَيَقُولُونَ على رُؤوسِ الأَشْهَادِ: ﴿هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾.

أَمَّا أَنْتُمْ إذَا لَمْ تَتُوبُوا إلى اللهِ تعالى فَسَوْفَ يَقُولُ أَحَدُكُمْ عِنْدَمَا يَأْخُذُ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾. أَبِاللهِ عَلَيْكَ، أَتَرْضَى أَنْ تَكُونَ وَاحِدَاً مِنْ هَؤُلَاءِ؟

وَعِنْدَهَا تَلْتَفِتُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً، مَنْ سَيَشْفَعُ لَكَ في يَوْمٍ غَضِبَ فِيهِ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ غَضَبَاً مَا غَضِبَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ مِثْلَهُ بَعْدَهُ، فَلَنْ تَجِدَ شَفِيعَاً لَكَ في أَرْضِ المَحْشَرِ إِلَّا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَأْتِيْهِ لِتَسْأَلَهُ الشَّفَاعَةَ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، لِأَنَّهُ هُوَ الذي حَذَّرَكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ؛ روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الغُلُولَ (السَّرِقَةَ وَالخِيَانَةَ) فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ (أَيْ: شَدَّدَ في الإِنْكَارِ على فاعِلِهِ).

قَالَ: «لَا أُلْفِيَنَّ (لَا أَجِدَنَّ) أَحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ (صَوْتُ الشَّاةِ) عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ (صَوْتُ الفَرَسِ إِذَا طَلَبَ العَلَفَ) يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئَاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ؛ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ (صَوْتُ البَعِيرِ) يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئَاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ (أَيْ: الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ؛ وَقِيلَ: مَا لَا رُوحَ فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ) فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئَاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ (أَيْ:تَتَحَرَّكُ وَتَهْتَزُّ) فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئَاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ».

ثالثاً: احْذَرُوا نَارَ جَهَنَّمَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أُخَاطِبُ هَؤُلَاءِ الذينَ سَوَّلَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ شَفُوقٍ عَلَيْهِمْ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ حَرِيصٍ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَيَاعِ مُسْتَقْبَلِهِمْ في الآخِرَةِ، فَأَقُولُ لَهُمْ:

احْذَرُوا نَارَ جَهَنَّمَ التي قَالَ اللهُ تعالى عَنْهَا: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾. وَقَدْ قَالَ تعالى في حَقِّ الوَاحِدِ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾. وَقَالَ تعالى في حَقِّهِمْ: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾. وَقَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْهُمْ: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾. وَقَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْهُمْ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمَاً مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾.

لَا تَكُونُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِسَبَبِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» رواه الترمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أُخَاطِبُ هَؤُلَاءِ الذينَ سَوَّلَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ شَفُوقٍ عَلَيْهِمْ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ حَرِيصٍ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَيَاعِ مُسْتَقْبَلِهِمْ في الآخِرَةِ، فَأَقُولُ لَهُمْ:

وَاللهِ أَنْتُمُ الخَاسِرُونَ إِذَا لَمْ تَتُوبُوا إلى اللهِ تعالى، تَذَكَّرُوا المَقْتُولَ عِنْدَمَا خَاطَبَ قَاتِلَهُ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. فَالقَاتِلُ بِغَيْرِ حَقٍّ هُوَ الخَاسِرُ، وَآكِلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ هُوَ الخَاسِرُ.

يَا هَؤُلَاءِ، وَاللهِ لَا أُرِيدُ لَكُمْ أَنْ تُحْرَمُوا مِنْ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَاللهِ لَا أَرْضَى لَكُمُ خِسَّةَ النَّفْسِ وَدَنَاءَتَهَا بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ.

وَاللهِ لَا أَرْضَى لَكُمُ أَنْ تَسْلُكُوا طَرِيقَاً يُوصِلُكُمْ إلى غَضَبِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَمِنْ ثَمَّ إلى نَارِ جَهَنَّمَ.

وَاللهِ لَا أَرْضَى لَكُمُ أَنْ تَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا أَرْضَى لَكُمْ مَقْتَ النَّاسِ لَكُمْ، وَدُعَاءَ المَظْلُومِينَ عَلَيْكُمْ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَدُعَاؤُهُمْ لَا يُرَدُّ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى لَنَا وَلَكُمْ شَرْحَ الصَّدْرِ للتَّوْبَةِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 18/ صفر الخير /1438هـ، الموافق: 18/تشرين الثاني / 2016م

 2016-11-18
 2598
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

02-05-2024 198 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 198
26-04-2024 281 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 281
19-04-2024 457 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 457
12-04-2024 1182 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1182
09-04-2024 672 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 672
04-04-2024 812 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 812

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414479934
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :