116ـ كلمة شهر شوال 1437: نعمة الإيمان واليقين بالله تعالى

116ـ كلمة شهر شوال 1437: نعمة الإيمان واليقين بالله تعالى

.

116ـ كلمة شهر شوال 1437: نعمة الإيمان واليقين بالله تعالى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ نِعْمَةَ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَاليَقِينِ بِهِ نِعْمَةٌ لَا تُوَازِيهَا نِعْمَةٌ، لِأَنَّ العَبْدَ إِذَا مَنَّ اللهُ تعالى عَلَيْهِ بِنِعْمَةِ اليَقِينِ، فَإِنَّهُ يَذُوقُ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، وَيَتَلَذَّذُ بِطَاعَةِ اللهِ تعالى، وَيَأْنَسُ بِذِكْرِ اللهِ تعالى، وَيَسْتَغِلُّ حَيَاتَهُ بِالقُرْبِ مِنَ اللهِ تعالى في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، وَتَنْزِلُ السَّكِينَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ في قَلْبِهِ، وَيَنْشَرِحُ صَدْرُهُ، وَيَتَقَلَّبُ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ العِبَادَاتِ، عِبَادَةِ الصَّبْرِ وَعِبَادَةِ الشُّكْرِ.

العَبْدُ الذي مَنَّ اللهُ تعالى عَلَيْهِ بِنِعْمَةِ اليَقِينِ بِاللهِ تعالى يَنْظُرُ إلى الدُّنْيَا النَّظْرَةَ الصَّحِيحَةَ، وَيَعْلَمُ أَنَّهَا دَارُ زَوَالٍ، وَدَارُ غُرُورٍ، وَدَارُ أَكْدَارٍ، وَدَارُ هُمُومٍ، وَدَارُ فِرَاقٍ، وَدَارُ فِتَنٍ وَابْتِلَاءَاتٍ، كَمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا أَنَّهَا دَارُ زَرْعٍ للآخِرَةِ، وَعَمَلٍ وَجِدٍّ وَإِقْبَالٍ على زِيَادَةِ فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، يَنْظُرُ إِلَيْهَا نَظْرَةَ احْتِقَارٍ وَزَهَادَةٍ، لَا نَظْرَةَ نَهْمٍ وَطَلَبٍ، لِأَنَّ اللهَ تعالى لَمْ يَرْضَهَا لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

فَإِذَا بِهِ يَشْحَذُ هِمَّتَهُ إلى عَمَلِ الصَّالِحَاتِ وَالمُسَابَقَةِ إلى الخَيْرَاتِ، فَيَزْدَادُ شَوْقُهُ وَحَنِينُهُ إلى تِلْكَ الجَنَّةِ التي قَالَ اللهُ تعالى في حَقِّ أَهْلِهَا: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾. وَالتي قَالَ تعالى فِيهَا: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

وَيَعِيشُ كَذَلِكَ في حَالَةِ خَشْيَةٍ مِنَ اللهِ تعالى وَخَوْفٍ مِنْ غَضَبِهِ وَعَذَابِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَخَافُ مِنْ وَعِيدِ اللهِ تعالى بِالنَّارِ ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾. فَهُوَ يَشْهَدُ بِقَلْبِهِ النَّارَ التي تَلَظَّى بِسَلَاسِلِهَا وَأَغْلَالِهَا وَقُيُودِهَا، حَيْثُ الإِهَانَةُ وَالعَذَابُ الأَلِيمُ وَالذُّلُّ وَالخِزْيُ وَالعَارُ، لِذَا تَرَاهُ على حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنْ مَعْصِيَةِ رَبِّهِ، وَالخَوْفِ مِنْ غَضَبِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ مِنَ الذينَ غَضِبَ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ، وَمَقَتَهُمْ، وَأَكَبَّهُمْ في النَّارِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَالِي بِهِمْ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: خَيْرُ مَا يُلْقِي اللهُ تعالى في الضَّمَائِرِ يَقِينٌ بِاللهِ تعالى يَرْسَخُ في القُلُوبِ رُسُوخَ الرَّاسِيَاتِ، فَيَجْعَلُ مِنْ صَاحِبِهِ عَبْدَاً وَرِعَاً يَتْرُكُ المَكْرُوهَ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ في الحَرَامِ، وَيَفْعَلُ المُسْتَحَبَّاتِ خَشْيَةَ أَنْ يَتْرُكَ الوَاجِبَاتِ، وَلَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعُونَ في هَذَا المَقَامِ، مَقَامِ اليَقِينِ بِاللهِ تعالى، وَمَقَامِ الوَرَعِ، يَتْرُكُونَ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الحَلَالِ، خَشْيَةَ الوُقُوعِ في الحَرَامِ.

جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلى الإِمَامِ أَحْمَدَ تَسْأَلُهُ: وَقَالَتْ: إنَّا نَغْزِلُ عَلَى سُطُوحِنَا بِشُعْلَةِ الْـمَلِكِ، فَتَمُرُّ بِنَا الْـمَشَاعِلُ الظَّاهِرِيَّةُ، وَيَقَعُ الشُّعَاعُ عَلَيْنَا، فَهَلْ يَجُوزُ لَنَا الْغَزْلُ فِي شُعَاعِهَا؟

فَقَالَ: مَنْ أَنْتِ عَافَاكِ اللهُ؟

قَالَتْ: أُخْتُ بِشْرٍ الْحَافِيِّ.

فَبَكَى أَحْمَدُ وَقَالَ: مِنْ بَيْتِكُمْ يَخْرُجُ الْوَرَعُ الصَّادِقُ، لَا تَغْزِلِي فِي شُعَاعِهَا.

يَا رَبِّ بِأَسْمَائِكَ الحُسْنَى، وَبِصِفَاتِكَ العُلَى، أَلْحِقْنَا بِغُبَارِ نِعَالِ هَؤُلَاءِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 1 / شوال /1437هـ، الموافق: 6/تموز / 2016م

 2016-07-05
 2963
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-05-2024 6 مشاهدة
213ـ أقبلوا على الملك العليم العلام

إِنَّ حَيَاةَ الإِنْسَانِ مَحْدُودَةُ الآجَالِ، وَأَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ تَمْضِي سَرِيعَةً إلى الزَّوَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا ... المزيد

 09-05-2024
 
 6
09-04-2024 148 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 148
13-03-2024 283 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 283
09-02-2024 526 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 526
13-01-2024 340 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 340
14-12-2023 474 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 474

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3163
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414663177
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :