384ـ خطبة الجمعة: علامات توفيق الله تعالى لعبده

384ـ خطبة الجمعة: علامات توفيق الله تعالى لعبده

 

 384ـ خطبة الجمعة: علامات توفيق الله تعالى لعبده

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله، المُؤمِنُ الحَقُّ الصَّادِقُ في إيمانِهِ هوَ الذي يَعِيشُ هذهِ الحَياةَ الدُّنيا وهوَ خَائِفٌ من فِتَنِها وتَقَلُّبَاتِها، هوَ الذي يَخشَى على نَفسِهِ الفِتَنَ والزَّيغَ بَعدَ الهُدَى، ويَدعُو بِقَولِهِ: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب﴾.

وما دَامَ العَبدُ المُؤمِنُ يَخافُ الدُّنيا وتَقَلُّبَاتِها وفِتَنَها، فَهوَ يَخَافُ أن يَندَرِجَ تَحتَ قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِن الدُّنْيَا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وَحَرِيٌّ بِالمُؤمِنِ في خِضَمِّ هذهِ الفِتَنِ التي هيَ كَقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ مُتَعَاقِبَةً، حَرِيٌّ بِهِ في وَسَطِ هذهِ المِحَنِ المُتَتَابِعَةِ، والعَقَائِدِ الخَاطِئَةِ، والأفكارِ الزَّائِغَةِ، والحُرُوبِ الطَّاحِنَةِ، أن يَتَلَمَّسَ مَرضاةَ الله عزَّ وجلَّ وتَوفِيقَهُ، وأن يَتَعَرَّفَ عَلاماتِ تَوفِيقِ الله تعالى لِعَبدِهِ، فإذا وَجَدَ نَفسَهُ مُوَفَّقاً لذلكَ فَليَحمَدِ اللهَ عزَّ وجلَّ، وليَثبُتْ على ذلكَ، وليَطلُبْ من الله تعالى الزِّيَادَةَ من ذلكَ حتَّى يَأتِيَهُ اليَقِينُ.

وإذا وَجَدَ نَفسَهُ غَيرَ مُتَحَقِّقٍ بِتِلكَ العَلاماتِ تَدَارَكَ نَفسَهُ بالتَّوبَةِ قَبلَ المَوتِ، وبَادَرَ إلى التَّحَلِّي بِتِلكَ العَلاماتِ.

عَلاماتُ تَوفِيقِ الله تعالى لِعَبدِهِ:

يا عباد الله، قد يَتَسَاءَلُ الإنسانُ: ما عَلاماتُ تَوفِيقِ الله تعالى لِعَبدِهِ؟ عَلاماتُ تَوفِيقِ الله تعالى لِعَبدِهِ كَثِيرَةٌ، منها:

أولاً: أن يُوَفِّقَهُ اللهُ تعالى لِطَاعَةِ الله ولِطَاعَةِ رَسُولِهِ:

يا عباد الله، من أرادَ أن يَعرِفَ نَفسَهُ أنَّهُ مُوَفَّقٌ من الله تعالى، فَليَنظُرْ إلى نَفسِهِ، هل هوَ مُوَفَّقٌ لِطَاعَةِ الله تعالى، ولِطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مَنشَطِهِ ومَكرَهِهِ؟ هل هوَ مُوَفَّقٌ للطَّاعَةِ في رِضَاهُ وغَضَبِهِ؟ هل هوَ مُوَفَّقٌ للطَّاعَةِ في أمْنِهِ وخَوفِهِ؟ هل هوَ مُوَفَّقٌ للطَّاعَةِ في الرَّخَاءِ والشِّدَّةِ ؟

إذا رَأَى نَفسَهُ أنَّهُ مُوَفَّقٌ لَطَاعَةِ الله تعالى، ولِطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَليَحمَدِ الله عزَّ وجلَّ، وليُطَمئِنَّ قَلبُهُ، وليَسْأَلِ اللهَ تعالى الثَّباتَ على ذلكَ.

يا عبادَ الله، مِن طَاعَةِ الله تعالى، وطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أن يَسلَمَ المُسلِمونَ من لِسانِكَ ويَدِكَ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما.

ومن طَاعَةِ الله تعالى، وطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أن تَقُولَ خَيراً أو تَصمُتَ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ومن طَاعَةِ الله تعالى، وطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أن تَسعَى للصُّلحِ بَينَ المُسلِمينَ، لِقَولِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾.

يا عباد الله، من رَأَى نَفسَهُ أنَّهُ مُوَفَّقٌ لِطَاعَةِ الله تعالى، ولِطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسَلِمُ المُسلِمونَ من لِسَانِهِ ويَدِهِ، وقالَ خَيراً أو صَمَتَ، وسَعَى للإصلاحِ بَينَ النَّاسِ، فَليَحمَدِ اللهَ عزَّ وجلَّ على ذلكَ، وليَسأَلِ اللهَ تعالى الثَّباتَ، وهذا دَلِيلٌ على تَوفِيقِ الله تعالى لَهُ، وأنَّ اللهَ تعالى أرادَ بِهِ خَيراً.

ثانياً: أن يُوَفِّقَهُ اللهُ تعالى للأعمالِ الصَّالِحَةِ:

يا عباد الله، من أرادَ أن يَعرِفَ نَفسَهُ أنَّهُ مُوَفَّقٌ من الله تعالى، فَليَنظُرْ إلى نَفسِهِ، هل هوَ مُوَفَّقٌ للأعمالِ الصَّالِحَةِ، أم مَحرومٌ منها لا قَدَّرَ اللهُ تعالى؟

روى الحاكم والإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً اسْتَعْمَلَهُ».

قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟

قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ».

وفي رِوايَةٍ للإمام أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً اسْتَعْمَلَهُ».

قِيلَ: وَمَا اسْتَعْمَلَهُ؟

قَالَ: «يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ».

يا عباد الله، لِيَنظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إلى نَفسِهِ، هل فَتَحَ اللهُ تعالى لَهُ بَابَ الأعمالِ الصَّالِحَةِ، وخَاصَّةً قَبلَ مَوتِهِ، أم حُرِمَ منها؟

روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيَّانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ».

وَقَالَ الْآخَرُ: إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا، فَبَابٌ نَتَمَسَّكُ بِهِ جَامِعٌ؟

قَالَ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ الله عَزَّ وَجَلَّ».

يا عباد الله، إنَّهُ من العَجِيبِ أن تَرَى في هذهِ الآوِنَةِ، وفي هذهِ الأزمَةِ والشِّدَّةِ التي تَمُرُّ بالمُسلمينَ اليَومَ، رِجالاً أطالَ اللهُ تعالى أعمارَهُم، وهُم مَعَ ذلكَ يَسعَونَ في الأرضِ فَسَاداً، يَسعَونَ للتَّفرِيقِ بَينَ الأَحِبَّةِ، ومن طَالَ عُمُرُهُ وسَاءَ عَمَلُهُ فهوَ من أشقَى النَّاسِ العِياذُ بالله تعالى.

يا عباد الله، لِيَنظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إلى نَفسِهِ، هل أعمالُهُ حَسَنَةٌ، وخَاصَّةً مَعَ طُولِ العُمُرِ أم لا؟ وهل ألسِنَتُنا رَطِبَةٌ بِذِكْرِ الله تعالى، وبِقَولِ الخَيرِ، أم على العَكسِ من ذلكَ تَماماً؟

المُوَفَّقُ من حَسَّنَ عَمَلَهُ، وأكثَرَ من ذِكْرِ الله تعالى وقَولِ الخَيرِ، وخَاصَّةً في هذهِ الآوِنَةِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى بِبَرَكَةِ الصَّالِحِينَ وأهلِ الذِّكْرِ أن يَكشِفَ الغُمَّةَ عَنَّا.

ثالثاً: أن يُوَفِّقَهُ اللهُ تعالى لِسَلامَةِ الصَّدْرِ:

يا عباد الله، من أرادَ أن يَعرِفَ نَفسَهُ أنَّهُ مُوَفَّقٌ من الله تعالى، فَليَنظُرْ إلى قَلبِهِ، هل قَلبُهُ امتَلَأَ حُبَّاً لله عزَّ وجلَّ، وحُبَّاً للمُؤمِنينَ؟ أم امتَلَأَ حِقداً وحَسَداً وبُغضاً على خَلْقِ الله عزَّ وجلَّ عامَّةً، وعلى المُؤمِنينَ خَاصَّةً؟

روى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟

قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ».

قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟

قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ».

وفي رِوايَةٍ للطَّبَرَانِيِّ في مُسنَدِ الشَّامِيِّين، قالوا: فَمَن يَلِيهِ يا رَسولَ الله؟

قال: «الذي نَسِيَ الدُّنيا، ويُحِبُّ الآخِرَةَ».

قالوا: مَا نَعرِفُ هذا فِينَا إلا أبا رَافِعٍ مَولَى رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قالوا: فَمَن يَلِيهِ؟

قال: «مُؤمِنٌ في خُلُقٍ حَسَنٍ».

يا عباد الله، لِيَنظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إلى قَلبِهِ، ماذا امتَلَأَ قَلبُهُ؟ هل كَانَ قَلبُهُ على قَلبِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «يَا بُنَيَّ، إِن قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ ولَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ». ثُمَّ قَالَ: «يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ»؟ رواه الترمذي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

هل هوَ يَدعُو بِدُعاءِ الذينَ جَاؤوا من بَعدِ المُهَاجِرِينَ والأنصارِ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾؟

يا عبادَ الله، هل نَسِينا الدُّنيا بنَعِيمِها وزَخَارِفِها،  وأقبَلنا على الآخِرَةِ، وفَكَّرنا في العَرضِ على الله عزَّ وجلَّ؟

يا عبادَ الله، البَعضُ أعرَضَ عن طَاعَةِ الله تعالى، وعن طَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأعرَضَ عن الأعمالِ الصَّالِحَةِ، وأعرَضَ عن سَلامَةِ الصَّدْرِ، لأنَّهُ نَسِيَ يَومَ العَرضِ على الله تعالى القَائِلِ: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾.

يا عباد الله، من استَحضَرَ يَومَ العَرضِ رَأَيتَهُ طَائِعاً لله تعالى، وطَائِعاً لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ومُلتَزِماً الأعمالَ الصَّالِحَةَ، ولَرَأَيتَهُ سَلِيمَ القَلبِ تُجاهَ خَلْقِ الله تعالى.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يا عباد الله، آجالُنا قَرِيبَةٌ، وهيَ مَستُورَةٌ عَنَّا، وهيَ لَيسَت في أيدِينا، بل هيَ في يَدِ الله عزَّ وجلَّ، فَلنَحذَرِ المَوتَ في هذهِ الدَّارِ قَبلَ أن نَصِيرَ إلى دَارٍ يَتَمَنَّى فيها العَبيدُ المَوتَ فلا يَجِدُوهُ.

كونوا على حَذَرٍ من المَوتِ أن يَأتِيَكُم بَغتَةً وأنتُم لا قَدَّرَ اللهُ تعالى على مَعصِيَةٍ لله عزَّ وجلَّ، كونوا على حَذَرٍ من المَوتِ قَبلَ أن تَصِيروا إلى دَارٍ يَتَمَنَّى العَبيدُ فيها المَوتَ فلا يَجِدُونَ إلَيهِ سَبيلاً.

يا عباد الله، يا من تَعِيشُونَ هذهِ الأزمَةَ والبَلاءَ والكَربَ العَظِيمَ، أقولُ لِنَفسِي ولَكُم: المُعَوَّلُ عَلَيهِ حُسنُ الخِتامِ، المُعَوَّلُ عَلَيهِ أن نَتَفَقَّدَ أنفُسَنا، هل نَحنُ لله طَائِعُونَ أم عَاصُونَ؟ وهل نَحنُ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ  طَائِعُونَ أم عَاصُونَ؟ واللهُ تعالى يَقولُ: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً﴾. ويَقولُ: ﴿وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً﴾.

المُعَوَّلُ عَلَيهِ أن نَتَفَقَّدَ أنفُسَنا، هل التَزَمنا الأعمالَ الصَّالِحَةَ، والعَمَلُ الصَّالِحُ هوَ ما جَعَلَهُ الشَّرْعُ صَالِحاً، ولو خَالَفَ أهَواءَنا؟

المُعَوَّلُ عَلَيهِ أن نَتَفَقَّدَ قُلُوبَنا، هل هيَ قُلُوبُ الأتقِياءِ والأنقِياءِ، التي لا إثمَ فِيها ولا غِلَّ ولا حَسَدَ ولا بَغيَ؟

يا ربِّ، وَفِّقنا لما يُرضِيكَ عنضّا. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 1/شعبان/1435هـ، الموافق: 30/أيار/ 2014م

 2014-05-30
 58505
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

02-05-2024 198 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 198
26-04-2024 281 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 281
19-04-2024 457 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 457
12-04-2024 1182 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1182
09-04-2024 672 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 672
04-04-2024 812 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 812

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414477250
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :