459ـ خطبة الجمعة: أسباب تفريج الكربات (2)

459ـ خطبة الجمعة: أسباب تفريج الكربات (2)

 

 459ـ خطبة الجمعة: أسباب تفريج الكربات (2)

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

لا تَجْزَعُوا مِمَّا أَصَابَكُم ولا تَحْزَنُوا، فَإِنَّ ذلكَ لا يَرُدُّ فَائِتَاً، الجَزَعُ والحُزْنُ لا يَرُدُّ مَن مَاتَ، ولا يَرُدُّ مَالاً، ولا يَرُدُّ بَيْتَاً ولا مَحَلَّاً ولا مَزْرَعَةً ولا مَصْنَعَاً، الجَزَعُ والحُزْنُ لا يَرُدُّ هَمَّاً بَلْ يَزِيدُهُ، ولا يُخْرِجُ من كَرْبٍ بَلْ يَزِيدُهُ، ولا يُبَدِّلُ وَاقِعَاً، فَاتْرُكُوا الجَزَعَ والحُزْنَ والهَمَّ، وَاسْتَعِينُوا باللهِ تعالى وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرَاً﴾.

أَسْبَابُ تَفْرِيجِ الكُرُبَاتِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، خُذُوا بِأَسْبَابِ تَفْرِيجِ الكُرُبَاتِ، من أَسْبَابِ تَفْرِيجِ الكُرُبَاتِ تَقْوَى اللهِ عزَّ وجلَّ، وَتَنْفِيسُ الكُرَبِ عن المَكْرُوبِينَ، والدُّعَاءُ للهِ عزَّ وجلَّ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّ من شَأْنِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبَاً، وَيَكْشِفَ كَرْبَاً، وَيَرْفَعَ أَقْوَامَاً، وَيَضَعَ آخَرِينَ.

رابعاً: كَثْرَةُ الاسْتِغْفَارِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، من أَسْبَابِ تَفْرِيجِ الكُرُبَاتِ كَثْرَةُ الاسْتِغْفَارِ، فَقَد جَاءَ عَن الصَّادِقِ المَصْدُوقِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَوْلُهُ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجَاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجَاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» رواه أَبو داود وابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

وقَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. بالاسْتِغْفَارِ تَنْزِلُ رَحْمَةُ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، الاسْتِغْفَارُ جَالِبٌ للخَصْبِ والبَرَكَةِ وَكَثْرَةِ النَّسْلِ والنَّمَاءِ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَن سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ لِقَوْمِهِ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارَاً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارَاً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارَاً * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ للهِ وَقَارَاً﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، الاسْتِغْفَارُ سَاتِرٌ للذُّنُوبِ وَمُزِيلٌ لَهَا، وَبِقَدْرِ مَا يَكُونُ الإِيمَانُ والصَّلاحُ والاسْتِغْفَارُ تَكُونُ الخَيْرَاتُ والبَرَكَاتُ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.

اِسْتِغْفَارٌ مَعَ إِصْرَارٍ لُؤْمٌ وَكَذِبٌ:

يَا عِبَادَ اللهِ، الاسْتِغْفَارُ يَحْتَاجُ إلى إِقْلاعٍ عن الذَّنْبِ والمَعْصِيَةِ وَإِعَادَةِ الحُقُوقِ لأَصْحَابِهَا، يَقُولُ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: اِسْتِغْفَارٌ بِلا إقْلاعٍ تَوْبَةُ الكَذَّابِينَ؛ وَيُقَارِبُهُ مَا جَاءَ عَن رَابِعَةَ العَدَوِيَّةِ: اِسْتِغْفَارُنَا يَحْتَاجُ إلى اسْتِغْفَارٍ كَثِيرٍ.

يَا عِبَادَ اللهِ، لِنَسْتَغْفِرِ اللهِ تعالى بِصِدْقٍ، وَلْنَنْظُرْ بَعْدَ ذلكَ إلى ثَمَرَةِ هذا الاسْتِغْفَارِ، لأَنَّ وَعْدَ اللهِ تعالى حَقٌّ، وَوَعْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ صِدْقٌ.

يَا عِبَادَ اللهِ، لا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نَكُونَ من الكَذَّابِينَ ولا من اللِّئَامِ؛ فَقَد جَاءَ عَن بَعْضِ الأَعْرَابِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ اسْتِغفَارِيَ مَعَ إِصْرَارِي لُؤْمٌ، وَإِنَّ تَرْكِيَ الاسْتِغْفَارَ مَعَ عِلْمِي بِسَعَةِ عَفْوِكَ لَعَجْزٌ، فَكَمْ تَتَحَبَّبُ إِليَّ بالنِّعَمِ مَعَ غِنَاكَ عَنِّي، وَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ بالمعَاصِي مَعَ فَقْرِي إِلَيْكَ، يَا مَن إِذَا وَعَدَ وَفَى، وَإِذَا تَوَعَّدَ تَجَاوَزَ وَعَفَا، أَدْخِلْ عَظِيمَ جُرْمِي في عَظِيمِ عَفْوِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يا عباد الله، إذا كُنَّا نَنْشُدُ السَّعَادَةَ، وَتَفْرِيجَ الكُرَبِ، وإِذْهَابَ الهَمِّ والغَمِّ، عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ هَدْيَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِصِدْقٍ، وَأَنْ نَسْتَحْضِرَ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ».

يَا عِبَادَ اللهِ، اِسْتَغْفِرُوا اللهَ تعالى بِصِدْقٍ، وَأَعِيدُوا الحُقُوقَ لأَصْحَابِهَا، وَقُولُوا لِقَاتِلِ الأَبْرِيَاءِ، وَسَافِكِ الدِّمَاءِ، وَسَالِبِ الأَمْوَالِ، وَالمُحَرِّضِ على إِذْكَاءِ نَارِ الحَرْبِ: تُبْ إلى اللهِ تعالى، وَاسْتَغْفِرْهُ قَبْلَ أَنْ تَنْدَمَ ولا يَنْفَعَكَ النَّدَمُ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تَوْبَةً صَادِقَةً نَصُوحَاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 25/ذو الحجة /1436هـ، الموافق: 9/تشرين الأول / 2015م

 2015-10-09
 4226
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

10-05-2024 120 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 120
02-05-2024 436 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 436
26-04-2024 426 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 426
19-04-2024 685 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 685
12-04-2024 1393 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1393
09-04-2024 738 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 738

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3164
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414836739
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :