الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: الخلق خلق الله تعالى، وهو الفعَّال لما يريد، ولا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون، وإذا شرَّع الله تعالى تشريعاً فلا يسع العبدَ المؤمن إلا أن يقول: سمعنا وأطعنا، يقول مولانا عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا}.
ثانياً: ذكر لنا مولانا عزَّ وجل في كتابه العظيم المحرَّمات من النساء على الرجال، وعدَّ منهن المرضعات، وسمَّاهنَّ أمهات، قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ}.
وأكَّد هذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقوله: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ثالثاً: بيَّنت لنا السنة الشريفة متى يكون الرضاع محرِّماً، وذلك بقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ) رواه الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها. والفطام يكون عند الحولين، وذلك لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}. فالرضاع المحرِّم هو ما كان ضمن الحولين. ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لا رِضَاعَ إِلا مَا شَدَّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ) رواه أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وبناء على ذلك:
فالإسلام حرَّم الأمهات من الرضاعة والأخوات من الرضاعة تعبُّداً، ولا يسع العبد إلا امتثال أمر الله تعالى.
وقد يقف العبد على شيء من الحكمة في هذا، ومن جملة ذلك: أن الرضيع نشز عظمه ونبت لحمه مع ولد الصلب من أم واحدة، فصارا بحكم الإخوة، والتناكح بينهما يؤدي إلى قطيعة الرحم. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |