الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: ما صحَّ عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنَّه قال: الطعام من النياحة، ولكن جاء في سنن ابن ماجه عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: (كُنَّا نَرَى الاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ المَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ مِنَ النِّيَاحَةِ).
ثانياً: السنَّةُ أن يقومَ جيرانُ أهلِ الميتِ والأقاربُ الأباعدُ فيصنعوا طعاماً لهم، لِما وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: لمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ حِينَ قُتِلَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً، فَقَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ يَشْغَلُهُمْ، أَوْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ) رواه الإمام أحمد.
أمَّا أن يصنعَ أهلُ الميتِ طعاماً للناسِ فهو مكروهٌ، يقولُ ابن عابدين في حاشيته: (وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنَ الطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ المَيِّتِ، لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لا فِي الشُّرُورِ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ. اهـ . وَفِي البَزَّازِيَّةِ: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الطَّعَامِ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَبَعْدَ الأُسْبُوعِ، وَنَقْلُ الطَّعَامِ إلَى القَبْرِ فِي المَوَاسِمِ، وَاِتِّخَاذُ الدَّعْوَةِ لِقِرَاءَةِ القُرْآنِ، وَجَمْعُ الصُّلَحَاءِ وَالقُرَّاءِ لِلْخَتْمِ أَوْ لِقِرَاءَةِ سُورَةِ الأَنْعَامِ أَوِ الإِخْلاصِ. اهـ).
ويقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: (أَمَّا إصْلاحُ أَهْلِ المَيِّتِ طَعَاماً وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُنْقَلْ فيهِ شيءٌ، وهُوَ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ. اهـ).
وبناء على ذلك:
فيُكرهُ لأهلِ الميتِ أن يصنعوا طعاماً، وخاصَّةً إذا كان من مالِ المتوَفَّى وَتَرَكَ قُصَّراً من بعدِهِ، لأنَّهُ يُعتبرُ نوعاً من أنواعِ أكلِ أموالِ اليتامى، والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}.
وإن أوصى الميتُ بذلكَ فلا يجبُ على الورثةِ تنفيذُ هذهِ الوصيَّةِ لأنَّها خِلافٌ للسنَّةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |
