﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾

7896 - ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾

13-03-2017 463 مشاهدة
 السؤال :
يقول الله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾. ويقول تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. فكيف نوفق بين الآيتين؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 7896
 2017-03-13

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا رَيْبَ بِأَنَّ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ سَوْفَ يُسْأَلُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَنْ جَمِيعِ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَنَوَايَاهُمْ، وَعَنْ جَوَارِحِهِمُ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، قَالَ تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المُرْسَلِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْـبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولَاً﴾.

ثانياً: يَوْمُ القِيَامَةِ يَوْمٌ طَوِيلٌ، مِقْدَارُهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللهِ ذِي المَعَارِجِ * تَعْرُجُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾.

وَهُوَ وَللهِ الحَمْدُ يَوْمٌ خَفِيف عَلَى المُؤْمِنِينَ، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿يَوْمَاً كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلَى المُؤْمِنِ، حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا».

هَذَا اليَوْمُ الطَّوِيلُ لَهُ شُؤُونٌ وَأَحْوَالٌ، النَّاسُ فِيهِ عَلَى أَحْوَالٍ، فَفِي وَقْتٍ يَتَكَلَّمُونَ، وَفِي وَقْتٍ لَا يَتَكَلَّمُونَ، وَتَارَةً يَصْدُقُونَ ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثَاً﴾. وَتَارَةً يَكْذِبُونَ ﴿وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾. وَتَارَةً يَسْأَلُونَ وَتَارَةً لَا يَسْأَلُونَ.

ثالثاً: السُّؤَالُ نَوْعَانِ: سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ وَاسْتِفْهَامٍ، وَسُؤَالُ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ وَتَأْنِيبٍ.

فَسُؤَالُ اللهِ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ لِخَلْقِهِ قَطْعَاً لَيْسَ سُؤَالَ اسْتِعْلَامٍ وَاسْتِفْهَامٍ وَاسْتِخْبَارٍ وَتَثَبُّتٍ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ، لِأَنَّ هَذَا مُسْتَحِيلٌ في حَقِّ اللهِ تعالى، فَاللهُ تعالى يَعْلَمُ أَفْعَالَ خَلْقِهِ وَأَحْوَالَهُمْ قَبْلَ كَوْنِهَا، وَحَالَ كَوْنِهَا، وَبَعْدَ كَوْنِهَا، يَعْلَمُ الشَّقِيَّ وَالسَّعِيدَ، وَيَعْلَمُ الـسِّرَّ وَأَخْفَى، وَيَعْلَمُ الأَشْيَاءَ قَبْلَ وُجُودِهَا، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

بَلْ هُوَ سُؤَالُ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ وَتَعْنِيفٍ وَتَحْقِيرٍ وَتَأْنِيبٍ لِلْعَبْدِ الكَافِرِ الفَاجِرِ الفَاسِقِ، لِأَنَّهُ كَفَرَ بِأَنْعُمِ اللهِ تعالى؛ وَأَمَّا سُؤَالُ المُؤْمِنِ فَهُوَ سُؤَالُ تَلْطِيفٍ وَتَشْرِيفٍ وَتَذْكِيرٍ، لِأَنَّهُ شَكَرَ أَنْعُمَ اللهِ تعالى.

وبناء على ذلك:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾. هُوَ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ﴾. يَعْنِي: لَا يُسْأَلُونَ سُؤَالَ اسْتِعْلَامٍ وَاسْتِرْشَادٍ، لِأَنَّ الأُمُورَ كُلَّهَا مَعْلومَةٌ عِنْدَ اللهِ تعالى قَبْلَ حُدُوثِهَا، وَهِيَ مَحْصِيَّةٌ عِنْدَهُ بَعْدَ حُدُوثِهَا ﴿فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾.

وَلَكِنَّهُمْ يُسْأَلُونَ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ وَتَأْنِيبٍ ـ وَهَذَا في حَقِّ الكَافِرِينَ ـ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ﴾؟

وَأَمَّا السُّؤَالُ لِلْمُؤْمِنِ فَهُوَ سُؤَالُ تَلْطِيفٍ وَتَشْرِيفٍ وَتَذْكِيرٍ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ».

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُعَامِلَنَا بِفَضْلِهِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
463 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  فتاوى متعلقة بالقرآن الكريم

 السؤال :
 2023-02-25
 1208
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ سُورَةَ الإِخْلَاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ؟
 السؤال :
 2023-02-25
 979
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾؟
 السؤال :
 2023-02-06
 939
مَا مَعْنَى قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾؟
 السؤال :
 2023-01-30
 431
يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾. فَبِأَيِّ الأَمْرَيْنِ تَمَّتْ نَجَاةُ سَيِّدِنَا يُونُسَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ بَطْنِ الحُوتِ؟
 السؤال :
 2023-01-30
 463
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾؟
 السؤال :
 2022-10-03
 523
في قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ قَالَ تعالى عَنْ قَابِيلَ القَاتِلِ: ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾. وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ النَّدَمَ تَوْبَةٌ، فَلِمَاذَا كُلَّمَا قَتَلَ إِنْسَانٌ آخَرَ ظُلْمًا يَتَحَمَّلُ قَابِيلُ وِزْرَهُ؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414288386
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :