الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَأَسْأَلُ اللهَ تعالى لِجَمِيعِ مَرْضَى المُسْلِمِينَ شِفَاءً عَاجِلَاً غَيْرَ آجِلٍ، وَأَنْ يُلْهِمَهُمُ الصَّبْرَ، وَأَنْ يُكْرِمَهُمْ بِالأَجْرِ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ للجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ للمَرِيضِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ فِيهَا:
مَذْهَبُ الحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لَا يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ للإِنْسَانِ المَرِيضِ، لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَجَازَ للمَرِيضِ الجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، وَقَدْ مَرِضَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَضَاً شَدِيدَاً مَرَّاتٍ عِدَّةً، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ.
وَمَذْهَبُ المَالِكِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالـعَصْرِ، وَبَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، بِسَبَبِ المَرَضِ، لِمَا رواه الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ.
وَقَاسُوا المَرَضَ كَذَلِكَ عَلَى السَّفَرِ بِجَامِعِ المَشَقَّةِ، فَقَالُوا: إِنَّ المَشَقَّةَ عَلَى المَرِيضِ بِجَامِعٍ فِي إِفْرَادِ الصَّلَوَاتِ أَشَدُّ مِنْهَا عَلَى المُسَافِرِ.
وبناء على ذلك:
فَإِذَا كَانَ المَرِيضُ مَرَضَاً شَدِيدَاً لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُفْرِدَ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ فَلْيَأْخُذْ بِقَوْلِ السَّادَةِ المَالِكِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، وَإِنْ كَانَ الأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ السَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَفِيَّةِ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مُضْطَرَّاً للجَمْعِ فَلْيَكُنِ الجَمْعُ جَمْعَاً صُورِيَّاً، يُصَلِّي الصَّلَاةَ الأُولَى في آخِرِ وَقْتِهَا، وَيَنْتَظِرُ لَحْظَةً يَدُلُّ عَلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَيُصَلِّيهَا في أَوَّلِ وَقْتِهَا. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |