الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَلَفْظُ السِّيَادَةِ لِغَيْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَائِزٌ شَرْعَاً، وَهَذَا مَا وَرَدَ ذِكْرُهُ في القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَفي السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، قَالَ تعالى في قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾.
وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ».
وروى الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلَمَةَ؟».
قَالُوا: الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ إِلَّا أَنَّ فِيهِ بُخْلَاً.
قَالَ: «وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ، بَلْ سَيِّدُكُمْ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ».
وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَرِيبَاً مِنْهُ، فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ».
وروى الإمام مسلم عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا حَرَجَ مِنْ لَفْظِ السِّيَادَةِ لِغَيْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ للأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ السَّابِقَةِ الذِّكْرِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي مَوْلَايَ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي أَمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلَامِي» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَأَمَّا الحَدِيثُ الذي رواه أبو داود عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: قَالَ أَبِي: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا.
فَقَالَ: «السَّيِّدُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى».
قُلْنَا: وَأَفْضَلُنَا فَضْلَاً، وَأَعْظَمُنَا طَوْلَاً.
فَقَالَ: «قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ».
وَالحَدِيثُ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «السَّيِّدُ اللهُ».
قَالَ: أَنْتَ أَفْضَلُهَا فِيهَا قَوْلَاً، وَأَعْظَمُهَا فِيهَا طَوْلَاً؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِيَقُلْ أَحَدُكُمْ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَسْتَجِرُّهُ الشَّيْطَانُ».
فَهَذَا مِنْ تَوَاضُعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَثِيرِ في النِّهَايَةِ: كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُحْمَدَ في وَجْهِهِ وَأَحَبَّ التَّوَاضُعَ.
وَمِنْهُ الحَدِيثُ: لَمَّا قَالُوا لَهُ: أَنْتَ سَيِّدُنَا، قَالَ: «قُولُوا بِقَوْلِكُمْ». أَيْ ادْعُونِي نَبِيَّاً وَرَسُولَاً كَمَا سَمَّانِي اللهُ، وَلَا تُسَمُّونِي سَيِّدَاً كَمَا تُسَمُّونَ رُؤَسَاءَكُمْ، فَإِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِهِمْ مِمَّنْ يَسُودُكُمْ في أَسْبَابِ الدُّنْيَا.
وَقَالَ أَبُو مُنْصُورٍ: كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمْدَحَ فِي وَجْهِهِ، وَأَحَبَّ التَّوَاضُعَ للهِ تَعَالَى، وَجَعَل السِّيَادَةَ لِلَّذِي سَادَ الْخَلْقَ أَجْمَعِينَ.
وَهَذَا لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِهِ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، حِينَ قَالَ لِقَوْمِهِ الأَنْصَارِ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ». هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |
