الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُـشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمَاً عَظِيمَاً﴾.
وَالذُّنُوبُ غَيْرُ الشِّرْكِ عَلَى قِسْمَيْنِ: كَبَائِرُ وَصَغَائِرُ.
فَالكَبَائِرُ لَا يُكَفِّرُهَا إِلَّا التَّوْبَةُ، وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَيُكَفِّرُهَا اجْتِنَابُ الكَبَائِرِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلَاً كَرِيمَاً﴾.
وَيُكَفِّرُهَا فِعْلُ الطَّاعَاتِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.
وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لَا كَبِيرَةَ معَ الاسْتِغْفَارِ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ.
وَقَدْ وَصَفَ اللهُ تعالى عِبَادَهُ المُتَّقِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمَنْ مَاتَ مُصِرَّاً عَلَى فِعْلِ الكَبَائِرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَالٍ لَهَا فَهُوَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ المَشِيئَةِ الإِلَهِيَّةِ: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾. فَإِنْ شَاءَ اللهُ تعالى غَفَرَ لَهُ، وَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ ابْتِدَاءً، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ بِقَدْرِ مَعْصِيَتِهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الجَنَّةَ نِهَايَةً.
أَمَّا مَنِ اسْتَحَلَّ الكَبَائِرَ المُتَّفَقَ عَلَيْهَا، أَو أَنْكَرَ أَمْراً مَعْلُوماً مِنَ الدِّينِ بِـالضَّرُورَةِ، فَإِنَّهُ يُكْفَرُ، وَكَذَلِكَ الحُكْمُ فِي حَقِّ مَن استَحَّلَّ الكَبَائِرَ وَإِن لَمْ يَفْعَلْها.
قَالَ الإِمَامُ ابْنُ قُدَامَةَ في المُغْنِي: وَمَنِ اعْتَقَدَ حِلَّ شَيْءٍ أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَظَهَرَ حُكْمُهُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَزَالَتِ الشُّبْهَةُ فِيهِ لِلنُّصُوصِ الوَارِدَةِ فِيهِ، كَلَحْمِ الخِنْزِيرِ، وَالزِّنَا، وَأَشْبَاهِ هَذَا، مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، كُفِّرَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ؛ وَإِنِ اسْتَحَلَّ قَتْلَ المَعْصُومِينَ، وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ، بِغَيْرِ شُبْهَةٍ وَلَا تَأْوِيلٍ، فَكَذَلِكَ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |