الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ.
وَاتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا يُجْزِئُ في الوُضُوءِ وَالغُسْلِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ إِنَّ مَا وَرَدَ في الحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاع؛ لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، بَلْ هُوَ بَيَانُ أَدْنَى القَدْرِ المَسْنُونِ؛ حَتَّى إنَّ مَنْ أَسْبَغَ بِدُونِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ زَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ طِبَاعَ النَّاسِ وَأَحْوَالَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ مَاءُ الوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ ـ مَا يُعَادِلُ ليتراً من المَاءِ تَقْرِيبَاً ـ لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ.
وَالمَقْصُودُ بِذَلِكَ فَضِيلَةُ الاقْتِصَادِ وَتَرْكُ الإِسْرَافِ.
فَإِذَا كَانَ المُدُّ يَكْفِي للإِسْبَاغِ فَعَلَى المُتَوَضِّئِ أَنْ يَكْتَفِيَ بِذَلِكَ، وَإِلَّا زَادَ حَتَّى يُسْبِغَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِلَ إلى حَدِّ الإِسْرَافِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |