392ـ خطبة الجمعة: ماذا فاتكم يا من صمتم وقمتم؟

392ـ خطبة الجمعة: ماذا فاتكم يا من صمتم وقمتم؟

 

 392ـ خطبة الجمعة: ماذا فاتكم يا من صمتم وقمتم؟

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، المُتَأَمِّلُ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيا يُدرِكُ أنَّ هذهِ الحَيَاةَ حَيَاةُ تَقَلُّبَاتٍ وتَغَيُّرَاتٍ، حَيَاةُ بِدَايَاتٍ ونِهَايَاتٍ، وهكذا الأَيَّامُ واللَّيالِي، والشُّهُورُ والأَعوَامُ، سُنَّةٌ لا تَتَغَيَّرُ، ونَامُوسٌ لا يَتَبَدَّلُ ﴿يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، لقد أَكرَمَنَا اللهُ عزَّ وجلَّ بِضَيفٍ عَزِيزٍ، حَلَّ في رُبُوعِنَا، ونَزَلَ بَينَ أَظهُرِنَا، وغَمَرَنَا بِفَضْلِهِ وإحسَانِهِ، ثمَّ حَانَ وَقتُ فِرَاقِهِ، وقَرُبَت لَحَظَاتُ وَدَاعِهِ، فَبِمَاذا نُوَدِّعُهُ؟ وبِأَيِّ شُعُورٍ نُفَارِقُهُ؟

يَا عِبَادَ اللهِ، لقد مَضَى هذا الشَّهرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ، وقد أَحسَنَ فِيهِ من أَحسَنَ، وأَسَاءَ فِيهِ من أَسَاءَ، مَضَى هذا الشَّهرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ وهوَ شَاهِدٌ لِبَعضِنَا، وشَفِيعٌ لَهُ عِندَ رَبِّنَا عزَّ وجلَّ، وقَائِدٌ لَهُ إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ والأَرضُ، لقد مَضَى هذا الشَّهرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ وهوَ شَاهِدٌ على بَعضِنَا، وقَائِدٌ لَهُ إلى جَهَنَّمَ وبِئسَ المَصِيرُ.

الأَعمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا:

يَا عِبَادَ اللهِ، السَّعِيدُ من العِبَادِ من وُفِّقَ لإتمَامِ العَمَلِ والإخلاصِ، السَّعِيدُ من أتقَنَ العَمَلَ وأَتَمَّهُ، السَّعِيدُ من خَتَمَ شَهرَ رَمَضَانَ بالتَّوبَةِ والإنَابَةِ والاستِغفَارِ، لأنَّ الأعمَالَ بِخَوَاتِيمِهَا.

لقد كَانَ سَيِدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَقُولُ: كُونُوا لِقَبُولِ العَمَلِ أَشَدَّ اهتِمَامَاً مِنكُم بالعَمَلِ، أَلَمْ تَسمَعُوا إلى قَولِ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ من المُتَّقِينَ﴾؟

ويَقُولُ مَالِكُ بنُ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: الخَوفُ على العَمَلِ أن لا يُتَقَبَّلَ أَشَدُّ من العَمَلِ.

وكَانَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ يُنَادِي في آخِرِ لَيلَةٍ من شَهرِ رَمَضَانَ: يا لَيتَ شِعرِي مَن هذا المَقبُولُ فَنُهَنِّيهِ، و من هذا المَحرُومُ فَنُعَزِّيهِ.

يَا عِبَادَ اللهِ، لِنَختِمْ صِيَامَ شَهرِ رَمَضانَ بالاستِغفَارِ، بل لِنَختِمْ جَمِيعَ طَاعَاتِنَا بالاستِغفَارِ، والسَّعِيدُ من وُفِّقَ لذلكَ، لأنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَختِمُ صَلاتَهُ بالاستِغفَارِ.

روى الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثاً وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ».

يَا عِبَادَ اللهِ، لِنَختِمْ صِيَامَنَا بالاستِغفَارِ، لأنَّ اللهَ تعالى أَمَرَنَا بالاستِغفَارِ بَعدَ تَقدِيمِ الخَيرَاتِ للهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. ومن أَعظَمِ الخَيرَاتِ التي نُقَدِّمُهَا الصِّيَامُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، هَنِيئَاً لَكُم صِيَامَكُم وقِيَامَكُم وتِلاوَتَكُم للقُرآنِ العَظِيمِ، هَنِيئَاً لَكُم زَكَاتَكُم وصَدَقَةَ فِطرِكُم، هَنِيئَاً لَكُم حُسنَ أَخلاقِكُم وصَبْرَكُم ومُصَابَرَتَكُم، وخَاصَّةً وأَنتُم تَعِيشُونَ هذهِ الأَزمَةَ، ماذا فَاتَكُم يا من صُمتُم وقُمتُم؟ أَسأَلُ اللهَ تعالى لِيَ ولَكُمُ القَبُولَ.

يَا عِبَادَ اللهِ، وقُولُوا لمن طُرِدوا من رَحمَةِ اللهِ تعالى، ورُدُّوا في شَهرِ رَمَضَانَ : جَبَرَ اللهُ مُصَابَكُم، وماذا وَجَدتُم في إعرَاضِكُم عن اللهِ عزَّ وجلَّ في هذا الشَّهرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ، كَم هوَ الفَارِقُ بَينَ من كَانَ حَظُّهُ القَبُولُ والغُفرَانُ، وبَينَ من كَانَ حَظُّهُ الخَيبَةُ والطَّردُ واللَّعنَةُ والخُسرَانُ؟

اللَّهُمَّ إنَّا نَسأَلُكَ أن تَجعَلَنَا من المَقبُولِينَ، وأن تُعتِقَ رِقَابَنَا من النَّارِ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 27/رمضان /1435هـ، الموافق: 25/تموز / 2014م

 2014-07-25
 4966
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 106 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 106
10-05-2024 313 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 313
02-05-2024 559 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 559
26-04-2024 513 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 513
19-04-2024 813 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 813
12-04-2024 1535 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1535

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414917256
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :