423ـ خطبة الجمعة: أَحِلْ ظالمك على الله

423ـ خطبة الجمعة: أَحِلْ ظالمك على الله

 

 423ـ خطبة الجمعة: أَحِلْ ظالمك على الله

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، الظُّلْمُ عَمَّ وطَمَّ، والقِلِيلُ من النَّاسِ مَن لَم يَقَعْ عَلَيهِمُ الظُّلْمُ في هذهِ الأَزمَةِ، وبِسَبَبِ هذا الظُّلْمِ كَادَ البَعضُ أن يُفتَنَ في دِينِهِ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ ومن فُتِنَ في دِينِهِ خَسِرَ الدُّنيَا والآخِرَةَ.

يَا عِبَادَ اللهِ، قُولُوا لِمَن وَقَعَ عَلَيهِ الظُّلْمُ بِأَيِّ شَكلٍ من أَشكَالِهِ:

صَبْرَاً أَيُّهَا المَظلُومُ، ولا تَهِنْ، فإنَّ عَينَ اللهِ لا تَنَامُ ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هوَ الحَيُّ القَيُّومُ﴾.

صَبْرَاً أَيُّهَا المَظلُومُ، ولا تَهِنْ، فإنَّ اللهَ تعالى لَيسَ بِغَافِلٍ عن الظَّالِمِ ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾.

صَبْرَاً أَيُّهَا المَظلُومُ، ولا تَهِنْ، فَمَولاكَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ مِمَّن ظَلَمَكَ ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّار﴾.

صَبْرَاً أَيُّهَا المَظلُومُ، ولا تَهِنْ، فإنَّ اللهَ تعالى أَقسَمَ بأنَّهُ نَاصِرُكَ «وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عن اللهِ تَبَارَكَ وتعالى.

أَحِلْ ظَالِمَكَ على اللهِ تعالى:

يَا عِبَادَ اللهِ، يَكفِي العَبدَ إِنصَافَاً وعَدْلاً أَنَّهُ يُنتَظَرُ يَومَ القِيَامَةِ، يَومَ يَجْمَعُ اللهُ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، حُفَاةً عُرَاةً غُرلاً، يَكفِي العَبدَ إِنصَافَاً وعَدْلاً أَنَّهُ يُنتَظَرُ يَومَ القِيَامَةِ، حَيثُ تُوضَعُ مَوَازِينُ القِسْطِ، لذلكَ من وَقَعَ عَلَيهِ ظُلْمٌ فَلْيُحِلْ ظَالِمَهُ على اللهِ تعالى.

إِلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي   ***   وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ

أَيُّهَا المَظْلُومُ، أَغلِقْ مِلَفَّ المَاضِي، بِمَآسِيهِ ودُمُوعِهِ، وأَحزَانِهِ ومَصَائِبِهِ، وآلامِهِ وهُمُومِهِ، واسْتَودِعْهُ عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، واجْعَلْهُ رَصِيدَاً لِنَفسِكَ وأَنتَ تَسْتَحضِرُ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. فإِنْ لَم تَقْدِرْ على ذلكَ، فَارْفَعْ يَدَيكَ إلى مَولاكَ، وقُلْ: رَبَّنَا، رَبَّنَا، رَبَّنَا، رَبَّنَا، رَبَّنَا، ثمَّ اسْتَيْقِنْ بِأَنَّ اللهَ قد استَجَابَ دُعَاءَكَ، لأنَّ اللهَ تعالى عِندَمَا وَصَفَ أُولِي الأَلبَابِ في آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمرَانَ، قَالَ: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ لأنَّهُم قَالُوا: رَبَّنَا، خَمسَ مَرَّاتٍ.

اِحْذَرْ أن تَظْلِمَ لِتَنتَقِمَ:

أَيُّهَا المَظْلُومُ، اِحْذَرْ أن تَظْلِمَ لِتَنتَقِمَ، لأنَّ الكَثِيرَ مِمَّن أَرَادُوا الانتِقَامَ ظَلَمُوا بانتِقَامِهِم، وأَسرَفُوا في الانتِقَامِ، كَانُوا مَظْلُومِينَ، فَصَارُوا ظَالِمِينَ، لذلكَ الأَولَى أن تَسمَعَ قَولَ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ» رواه الإمام أحمد عن عُقْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. واصْبِرْ، فإنَّ اللهَ تعالى جَاعِلٌ لَكَ فَرَجَاً ومَخرَجَاً، ومَن عَفَا وأَصْلَحَ فَقَد وَقَعَ أَجْرُهُ على اللهِ تعالى.

وإِنْ أَبَيتَ العَفْوَ لِضَعْفِكَ وقِلَّةِ صَبْرِكَ، فَارْفَعْ يَدَيكَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وقُلْ: يَا رَبِّ أَنتَ القَائِلُ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾. وأَنتَ القَائِلُ: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾. وأَنتَ القَائِلُ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ وأَنتَ القَائِلُ: (أَنَا عِندَ المُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُم مِن أَجلِي) فَأَسأَلُكَ يَا رَبُّ بِأَسمَائِكَ الحُسْنَى، وصِفَاتِكَ العُلا، أن تُعِزَّ الإِسلامَ والمُسلِمِينَ، وتُذِلَّ الشِّرْكَ والمُشرِكِينَ، وأن تَنصُرَ مَن نَصَرَ هذا الدِّينَ، وأن تَخْذُلَ من خَذَلَ هذا الدِّينَ، وأن تُرِيَنَا عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ في القَومِ الظَّالِمِينَ؛ ثمَّ سَلْهُ بَعدَ ذلكَ مَا تَشَاءُ من خَيرَيِ الدُّنيَا والآخِرَةِ.

أَرِحْ قَلبَكَ بالدُّعَاءِ:

أَيُّهَا المَظْلُومُ، أَرِحْ قَلبَكَ بالدُّعَاءِ، فَرَبُّكَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً خَائِبَتَيْنِ، أَرِحْ قَلبَكَ بالدُّعَاءِ، وقُلْ: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ﴾. لأنَّ اللهَ تعالى هوَ المُؤَمَّلُ لِكُلِّ الشَّدَائِدِ.

أَيُّهَا المَظْلُومُ، اِرْفَعْ يَدَيكَ في دُجَى الأَسحَارِ، لأنّ اللهَ تعالى يُنَادِيكَ في ظُلُمَاتِهَا «مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ» وقُلْ لَهُ: رَبِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ؛ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا المَظْلُومُ، هَل تَعلَمُ أنَّهُ بِدَعْوَةٍ وَاحِدَةٍ، من قَلبٍ صَادِقٍ مَظْلُومٍ، أَغرَقَ اللهُ تعالى أَهلَ الأَرضِ جَمِيعَهُم، إلا من شَاءَ اللهُ تعالى، عِندَمَا دَعَاهَا سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً﴾؟

وهَل تَعلَمُ أنَّهُ بِدَعْوَةٍ وَاحِدَةٍ، من قَلبٍ صَادِقٍ مَظْلُومٍ، أَهلَكَ اللهُ تعالى فِرعَونَ وقَومَهُ، عِندَمَا دَعَاهَا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾؟

وهَل تَعلَمُ أنَّهُ بِدَعْوَةٍ وَاحِدَةٍ، من قَلبٍ صَادِقٍ مَظْلُومٍ، أَغَاثَ اللهُ تعالى الدَّاعِيَ، فَأَمَدَّهُ اللهُ تعالى بالمَلائِكَةِ ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾؟

يَا عِبَادَ اللهِ، أَحِيلُوا ظَالِمِيكُم على  اللهِ تعالى، واحْذَرُوا أن تَظْلِمُوا لِتَنتَقِمُوا.

يَا عِبَادَ اللهِ، أَرِيحُوا قُلُوبَكُم بالدُّعَاءِ.

اللَّهُمَّ فَارِجَ الهَمِّ، كَاشِفَ الغَمِّ، مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضطَّرِّينَ، فَرِّجْ عَنَّا مَا نَحنُ فِيهِ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 24/ربيع الثاني/1435هـ، الموافق: 13/شباط / 2015م

 2015-02-13
 5140
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 89 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 89
10-05-2024 307 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 307
02-05-2024 556 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 556
26-04-2024 509 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 509
19-04-2024 808 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 808
12-04-2024 1530 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1530

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4799
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414910972
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :