449ـ خطبة الجمعة: الأمل والتفاؤل شعاعان

449ـ خطبة الجمعة: الأمل والتفاؤل شعاعان

 

449ـ خطبة الجمعة: الأمل والتفاؤل شعاعان

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبَادَ اللهِ، دَيْدَنُ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ الحَقُّ الكَامِلُ في إِيمَانِهِ، وسِمَتُهُ التي يَمْتَازُ بِهَا عن غَيْرِهِ، ونَهْجُهُ الذي لا يَحِيدُ عَنْهُ، هُوَ شُكْرٌ على النَّعْمَاءِ، وصَبْرٌ على الضَّرَّاءِ، ولا ضَجَرَ مَعَ البَلاءِ، فلا بَطَرَ مَعَ النَّعْمَاءِ، ولا ضَجَرَ مَعَ البَلاءِ.

لِمَ لا يَكُونُ وَصْفُ المُؤْمِنِ هذا، وَهُوَ يَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾؟ فَبِالشُّكْرِ يَعْقِلُ النِّعْمَةَ المَوْجُودَةَ، ويَسْتَجْلِبُ النِّعْمَةَ المَفْقُودَةَ.

لِمَ لا يَكُونُ وَصْفُ المُؤْمِنِ هذا، وَهُوَ يَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. وقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. وقَوْلَهُ تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾؟

لِمَ لا يَكُونُ شَاكِرَاً صَابِرَاً، وَهُوَ يَعْلَمُ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبَاً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ»؟ رواه الإمام مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

الأَمَلُ والتَّفَاؤُلُ شُعَاعَانِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، لَقَد جَعَلَ اللهُ تعالى الحَيَاةَ الدُّنْيَا كَثِيرَةَ التَّقَلُّبِ، لا تَسْتَقِيمُ لأَحَدٍ على حَالٍ، ولا تَصْفُو لِمَخْلُوقٍ من الكَدَرِ، فَفِيهَا خَيْرٌ وشَرٌّ، وصَلاحٌ وفَسَادٌ، وسُرُورٌ وَحُزْنٌ، وأَمَلٌ ويَأْسٌ.

ويَأْتِي الأَمَلُ والتَّفَاؤُلُ كَشُعَاعَيْنِ يُضِيئَانِ دَيَاجِيرَ الظَّلامِ، ويَشُقَّانِ دُرُوبَ الحَيَاةِ للأَنَامِ، ويَبْعَثَانِ في النَّفْسِ الجِدَّ والمُثَابَرَةَ، ويُلَقِّنَانِهَا الجَلَدَ والمُصَابَرَةَ، فَإِنَّ الذي يُغرِي التَّاجِرَ بالأَسْفَارِ والمُخَاطَرَةِ أَمَلَهُ في الأَرْبَاحِ، والذي يَبْعَثُ الطَّالِبَ إلى الجِدِّ والمُثَابَرَةِ، أَمَلَهُ في النَّجَاحِ، والذي يُحَبِّبُ إلى المَرِيضِ الدَّوَاءَ المُرَّ،  أَمَلَهُ في الشِّفَاءِ، والذي يَدْعُو المُؤْمِنَ إلى الشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ، والصَّبْرِ عِنْدَ البَلاءِ، أَمَلَهُ فِيمَا عِنْدَ اللهِ تعالى من وَعْدٍ للشَّاكِرِينَ والصَّابِرِينَ.

يَا عِبَادَ اللهِ، المُؤْمِنُ في حَيَاتِهِ الدُّنْيَا يُلَاقِي شَدَائِدَهَا وصِعَابَهَا ومَرَارَتَهَا بِقَلْبٍ مُطْمَئِنٍّ، وَوَجْهٍ مُسْتَبْشِرٍ، وثَغْرٍ بَاسِمٍ، وأَمَلٍ عَرِيضٍ، فَهُوَ وَاثِقٌ بالزِّيَادَةِ إِنْ شَكَرَ، وَوَاثِقٌ بالأَجْرِ إِنْ صَبَرَ، وإذا تَعَسَّرَتِ الأُمُورُ، وضَاقَ الخِنَاقُ، أَمَلُهُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً﴾.

وفي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً﴾» رواه الحاكم عَن الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

الأَمَلُ والتَّفَاؤُلُ وَلِيدَا الإِيمَانِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، إِنَّ حَقِيقَةَ الأَمَلِ والتَّفَاؤُلِ في الشَّدَائِدِ والمِحَنِ لا يَنْشَآنِ من عَدَمٍ، ولا يَأْتِيَانِ من فَرَاغٍ، بَل هُمَا وَلِيدَا الإِيمَانِ باللهِ تعالى، والمَعْرِفَةِ بِسُنَنِهِ ونَوَامِيسِهِ في الكَوْنِ والحَيَاةِ، فَهُوَ الذي يُصَرِّفُ الأُمُورَ كَيْفَ يَشَاءُ، بِعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ، ويُسَيِّرُهُمَا بِإِرَادَتِهِ ومَشِيئَتِهِ، فَيُبَدِّلُ من بَعْدِ الخَوْفِ أَمْنَاً، ومن بَعْدِ العُسْرِ يُسْرَاً، ويَجْعَلُ من كُلِّ ضِيقٍ فَرَجَاً ومَخْرَجَاً، ومن بَعْدَ الظُّلْمَةِ نُورَاً، ومن بَعْدِ الظَّمَأِ رِيَّاً.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، تَذَكَّرُوا قَوْلَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا وَقَفَ المُشْرِكُونَ على بَابِ الغَارِ، وَهُوَ يَقُولُ للصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» رواه الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا وَقَفَ على أَبْوَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: «يَا زَيْدُ، إنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرْجَاً وَمَخْرَجَاً، وَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ». الطَّبَقَات الكُبرَى لابن سَعد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا من الشَّاكِرِينَ عِنْدَ الرَّخَاءِ، ومن الصَّابِرِينَ عِنْدَ البَلاءِ، ومن الرَّاضِينَ بِمُرِّ القَضَاءِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

 

الجمعة: 22/شوال/1435هـ، الموافق: 7/آب / 2015م

 2015-08-07
 8188
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 107 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 107
10-05-2024 314 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 314
02-05-2024 562 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 562
26-04-2024 513 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 513
19-04-2024 813 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 813
12-04-2024 1536 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1536

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414917617
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :