.
دروس رمضانية 1437هـ
28ـ أهل الإيمان هم أهل السعادة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَهْلُ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَبِاليَوْمِ الآخِرِ هُمْ أَهْلُ السَّعَادَةِ الحَقِيقِيَّةِ، وَهُمْ أَهْلُ الشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى شَرَّفَ الإِيمَانَ وَأَهْلَهُ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟
فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ».
قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟
قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ».
قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟
قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ».
وَلَقَدْ مَدَحَ اللهُ تعالى المُؤْمِنِينَ بِإِيمَانِهِمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْـمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾.
وَمَدَحَ أُولِي الأَلْبَابِ الذينَ تَوَسَّلُوا إلى اللهِ تعالى بِالإِيمَانِ، لِأَنَّهُمْ عَرَفُوا شَرَفَ الإِيمَانِ، فَقَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَنْ قَوْلِهِمْ: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيَاً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾.
وَلِشَرَفِ الإِيمَانِ جَعَلَهُ اللهُ تعالى شَرْطَاً لانْتِفَاعِ العَبْدِ بِعَمَلِهِ الصَّالِحِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورَاً﴾.
وَلِشَرَفِ الإِيمَانِ وَعَدَ اللهُ تعالى المُؤْمِنِينَ بِالأَجْرِ العَظِيمِ، وَبَـشَّرَهُمْ بِالفَضْلِ الكَبِيرِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْـمُؤْمِنِينَ أَجْرَاً عَظِيمَاً﴾.
وَلِشَرَفِ الإِيمَانِ أَكْرَمَ اللهُ تعالى أَهْلَهُ بِالحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ في حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
وَلِشَرَفِ الإِيمَانِ مَثَّلَ اللهُ تعالى كَلِمَةَ الإِيمَانِ بِالشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ، قَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلَاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَـضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾. فَالمُؤْمِنُ لَا يَزَالُ يَجْنِي مِنْ ثِمَارِهِ اليَانِعَةِ، وَيَتَمَتَّعُ بِحَلَاوَةِ ثَمَرَتِهَا في كُلِّ العَوَالِمِ، كَمَا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِينَاً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولَاً» رواه الإمام مسلم عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
مِنْ ثِمَارِ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ ثِمَارِ هَذَا الإِيمَانِ الذي ضَرَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مَثَلَاً بِالشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ:
أولاً: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ سُنَّةِ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ أَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الذينَ آمَنُوا الذينَ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾. يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾.
وَيَقُولُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
ثانياً: ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدَّاً﴾:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ ثِمَارِ الإِيمَانِ الذي ضَرَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مَثَلَاً بِالشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ مَحَبَّةُ الرَّحْمَنِ للعَبْدِ المُؤْمِنِ، وَيَجْعَلُ لَهُ وُدَّاً في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدَّاً﴾. أَيْ: مَوَدَّةً وَمَحَبَّةً، فَيُحِبُّهُمُ اللهُ تعالى، وَيُحَبِّبُهُمْ إلى عِبَادِهِ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانَاً فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانَاً فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ».
فَاللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى يَرْفَعُ الذينَ آمَنُوا، وَيَجْعَلُ لَهُمْ وُدَّاً في قُلُوبِ النَّاسِ، وَيُرْزَقُ مَوَدَّتَهُمْ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْـمُؤْمِنِ».
ثالثاً: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ ثِمَارِ الإِيمَانِ الذي ضَرَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مَثَلَاً بِالشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ اسْتِغْفَارُ المَلَائِكَةِ لِأَهْلِ الإِيمَانِ، فَقَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمَاً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَيْسَ هُنَاكَ نِعْمَةٌ أَعْظَمَ مِنْ نِعْمَةِ الإِيمَانِ، وَلَا أَعْظَمَ مِنَّةً مِنْهَا، الإِيمَانُ الذي هُوَ أَعْظَمُ قَضِيَّةٍ، وَأَعْظَمُ شَيْءٍ في الوُجُودِ، الإِيمَانُ بِاللهِ تعالى مِنْ أَجْلِهِ وُجِدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَمِنْ أَجْلِهِ كَانَ الحِسَابُ وَالسُّؤَالُ وَالعَرْضُ.
وَمِـمَّـا زَادَنِي شَـرَفَـاً وَتِـيـهَاً *** وَكِدْتُ بَأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِي *** وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَـبِـيَّا
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ الإِيمَانِ، وَنَسْأَلُهُ الزِّيَادَةَ حَتَّى نَلْقَاهُ وَهُوَ عَنَّا رَاضٍ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الأحد: 14/ رمضان /1437هـ، الموافق: 19/ حزيران / 2016م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد
فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد
غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد
مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد
الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد