200ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي    (2)

200ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي    (2)

200ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ لَيْلَةً يَحْرُسُ، فَرَأَى مِصْبَاحَاً في بَيْتٍ، فَدَنَا، فَإِذَا عَجُوزٌ تَطْرُقُ شَعْرَاً لَهَا ـ أَيْ: تَنْفُشُهُ ـ لِتَغْزِلَهُ وَهِيَ تَقُولُ:

عَلَى مُحَمَّدٍ صَـلَاةُ الْأَبْـــــرَارْ   ***   صَلَّى عَلَيْكَ المُصْطَفَوْنَ الأَخْيَارْ

قَدْ كُنْتَ قَوَّامَاً بَكِيَّ الأَسْحَارْ    ***   يَا لَـيْــتَ شِعْرِي وَالمَنَايَا أَطْوَارْ

هَلْ تَجْمَعُنِي وَحَبِيبِي الدَّارْ

تَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَجَلَسَ عُمَرُ يَبْكِي، فَمَا زَالَ يَبْكِي حَتَّى قَرَعَ الْبَابَ عَلَيْهَا.

فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟

فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.

قَالَتْ: مَا لِي وَلِعُمَرَ؟ وَمَا يَأْتِي بِعُمَرَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟

فَقَالَ: افْتَحِي رَحِمَكِ اللهَ، فَلَا بَأْسَ عَلَيْكِ.

فَفَتَحَتْ لَهُ، فَدَخَلَ.

فَقَالَ لَهَا: رَدِّدِي عَلَيَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي قُلْتِ آنِفَاً، فَرَدَّدَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَتْ آخِرَهَا، قَالَ: أَسْأَلُكِ أَنْ تُدْخِلِينِي مَعَكُمَا ـ أَيْ: في الدُّعَاءِ ـ.

قَالَتْ: وَعُمَرُ، فَاغْفِرْ لَهُ يَا غَفَّارْ.

فَرَضِيَ عُمَرُ وَرَجِعَ؛ كَمَا في المَوَاهِبِ وَشَرْحِهَا.

وَعَلَى هَذَا جَرَى خِيَارُ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعُهُمْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ الإِمَامُ مَالِكٌ إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ حَتَّى يَصْعُبَ عَلَى جُلَسَائِهِ.

فَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ؟

فَقَالَ ـ مَالِكٌ ـ: لَو رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَمَا أَنْكَرْتُمْ عَلَيَّ مَا تَرَوْنَ!

لَقَدْ رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ المُنْذِرِ ـ وَهُوَ سَيِّدُ القُرَّاءِ ـ لَا نَكَادُ نَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ إِلَّا يَبْكِي حَتَّى نَرْحَمَهُ!

وَلَقَدْ كُنْتُ أَرَى السَّيِّدَ جَعْفَرَاً الصَّادِقَ بْنَ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ البَاقِرِ كَثِيرَ التَّبَسُّمِ، وَلَكِنْ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اصْفَرَّ لَوْنُهُ، مَهَابَةً وَإِجْلَالَاً!.

قَالَ مَالِكٌ: وَمَا رَأَيْتُ جَعْفَرَاً الصَّادِقَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ.

قَالَ مَالِكٌ: وَلَقَدِ اخْتَلَفْتُ زَمَانَاً ـ أَيْ: تَرَدَّدْتُ إِلَيْهِ كَثِيرَاً ـ وَمَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلَّا عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: إِمَّا مُصَلِّيَّاً، وَإِمَّا صَامِتَاً ـ أَيْ: مُسْتَغْرِقَاً بِالتَّفْكِيرِ في آيَاتِ اللهِ تعالى ـ وَإِمَّا يَقْرَأُ القُرْآنَ.

قَالَ: وَكَانَ السَّيِّدُ جَعْفَرٌ مِنَ العُبَّادِ الذينَ يَخْشَوْنَ اللهَ تعالى. اهـ.

وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَقَدْ كُنْتُ آتِي عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَكَى حَتَّى لَا يَبْقَى في عَيْنَيْهِ دُمُوعٌ. اهـ.

وَكَانَ الزُّهْرِيُّ مِنْ أَهْنَأِ النَّاسِ ـ أَيْ: أَشَدِّهِمْ هَنَاءَةَ وَسُهُولَةً وَلِينَاً ـ فَإِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّكَ مَا عَرَفْتَهُ وَلَا عَرَفَكَ ـ أَيْ: مِنْ إِجْلَالِهِ وَمَهَابَتِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ.

وَكَانَ قَتَادَةُ المُفَسِّرُ إِذَا سَمِعَ الحَدِيثَ يُقْرَأُ عِنْدَهُ، أَخَذَهُ العَوِيلُ ـ أَيْ: البُكَاءُ ـ وَالزَّوِيلُ ـ أَيْ: القَلَقُ ـ وَالانْزِعَاجُ مِنْ سُلْطَانِ المَحَبَّةِ وَالمَهَابَةِ.

كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ القَاضِي عِيَاضٌ في الشِّفَا وَنَقَلَهُ القَسْطَلَانِيُّ في المَوَاهِبِ.

وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُنْظَرُ إلى لَوْنِهِ كَأَنَّهُ قَدْ نَزَفَ مِنْهُ الدَّمُ وَقَدْ جَفَّ لِسَانُهُ في فَمِهِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 27/ ربيع الأول /1442هـ، الموافق: 13/تشرين الأول / 2020م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  من كتاب سيدنا محمد رسول الله   

20-03-2021 2715 مشاهدة
203ـ تمسح الملائكة بالقبر الشريف

رَوَى الدَّارَمِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ كَعْبَاً ـ أَيْ: كَعْبَ الأَحْبَارِ ـ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ كَعْبٌ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَطْلُعُ ... المزيد

 20-03-2021
 
 2715
12-03-2021 1521 مشاهدة
202ـ إفاضة القبر الشريف بالأسرار والأنوار

بَابُ مَا أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ المَدِينَةِ قَحْطَاً شَدِيدَاً، ... المزيد

 12-03-2021
 
 1521
19-02-2021 1024 مشاهدة
201ـ بكاء الصحابة لتذكرهم عهوده صلى الله عليه وسلم

عَادَ خَبَّابَاً نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَبْشِرْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَوْضَ! ... المزيد

 19-02-2021
 
 1024
13-11-2020 1961 مشاهدة
199ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ ... المزيد

 13-11-2020
 
 1961
06-11-2020 1010 مشاهدة
198ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (5)

بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِأَلَمِ فِرَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ مَجَالِسِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ... المزيد

 06-11-2020
 
 1010
30-10-2020 827 مشاهدة
197ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (4)

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَمِنْ ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ... المزيد

 30-10-2020
 
 827

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414640039
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :