760ـ خطبة عيد الفطر: حافظوا على الطاعات من الضياع

760ـ خطبة عيد الفطر: حافظوا على الطاعات من الضياع

760ـ خطبة عيد الفطر: حافظوا على الطاعات من الضياع

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا بِبَرَكَةِ الصِّيَامِ، بِأَنْ جَعَلَ قُلُوبَ الصَّائِمِينَ لَيِّنَةً رَقِيقَةً، ذَاتَ شَفَافِيَّةٍ وَحَسَاسِيَّةٍ، جَعَلَهَا وَجِلَةً حَيَّةً مُتَيَقِّظَةً، جَعَلَهَا مُرَاقِبَةً للهِ تعالى، وَعَوَّدَهَا عَلَى الخَوْفِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى وَالحَيَاءِ مِنْهُ.

لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا بِأَنْ بَلَّغَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ فَسَلَّمَهُ لَنَا، وَسَلَّمَنَا لَهُ، وَخُضْنَا في شَهْرِ التَّوْبَةِ وَالغُفْرَانِ، في شَهْرِ الرَّحْمَةِ، في شَهْرِ العِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، خُضْنَا هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ المُبَارَكَ الذي غُلِّقَتْ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، وَفُتِّحَتْ فِيهِ أَبْوَابُ الجِنَانِ، وَفُتِّحَتْ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِدُعَاءِ الدَّاعِينَ، وَصُفِّدَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، وَنَادَى عَلَيْنَا المُنَادِي: «يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ» فَأَقْبَلْنَا عَلَى اللهِ تعالى صَائِمِينَ، مُصَلِّينَ رَاكِعِينَ سَاجِدِينَ، آمِرِينَ بِالمَعْرُوفِ، نَاهِينَ عَنِ المُنْكَرِ، تَالِينَ للقُرْآنِ العَظِيمِ، ذَاكِرِينَ للهِ تعالى، مُسَبِّحِينَ وَمُهَلِّلِينَ وَمُكَبِّرِينَ، وَمُصَلِّينَ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مُزَكِّينَ، مُتَصَدِّقِينَ، فَاعِلِينَ للخَيْرَاتِ وَللهِ الحَمْدُ.

حَافِظُوا عَلَى الطَّاعَاتِ مِنَ الضَّيَاعِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: حَافِظُوا عَلَى الطَّاعَاتِ مِنَ الضَّيَاعِ، وَحَافِظُوا عَلَى بِشَارَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقِ، فَنَادَوْا: اغْدُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يَمُنُّ بِالْخَيْرِ، ثُمَّ يُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ، لَقَدْ أُمِرْتُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَقُمْتُمْ، وَأُمِرْتُمْ بِصِيَامِ النَّهَارِ فَصُمْتُمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، نَادَى مُنَادٍ: أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَهُوَ يَوْمُ الْجَائِزَةِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ الْجَائِزَةِ».

حَافِظُوا عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ، وَلَا تُعَرِّضُوهَا للزَّوَالِ، وَلَا تُدَنِّسُوهَا بِالمُنْكَرَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَذَلِكَ بِالاخْتِلَاطِ المُحَرَّمِ، احْذَرُوا الاخْتِلَاطَ مَعَ النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ، وَالمَرْأَةُ الأَجْنَبِيَّةُ هِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ يَحِلُّ لَكَ الزَّوَاجُ مِنْهَا عَاجِلًا أَو آجِلًا، وَاسْمَعُوا تَحْذِيرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ».

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟

قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» رواه الإمام مسلم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَأَنْتِ يَا أُخْتَاهُ، حَافِظِي عَلَى طَاعَاتِكِ مِنَ الضَّيَاعِ، وَذَلِكَ بِمُرَاقَبَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَكِ مِنْ خِلَالِ لِبَاسِكِ وَحَدِيثِكِ مَعَ الرِّجَالِ الأَجَانِبِ، وَالرَّجُلُ الأَجْنَبِيُّ هُوَ كُلُّ رَجُلٍ يَحِلُّ لَكِ الزَّوَاجُ مِنْهُ عَاجِلًا أَو آجِلًا.

كُونِي عَلَى حَذَرٍ مِنَ اللِّبَاسِ الذي يَحْرِمُكِ دُخُولَ الجَنَّةِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا».

لَا تُحَدِّثِي رَجُلًا أَجْنَبِيًّا إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَتَذَكَّرِي قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.

إِنْ حَدَّثْتِ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ رَاقِبِي اللهَ تعالى في قَوْلِكِ: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَدُمْ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، كَمَا رَاقَبْنَاهُ في شَهْرِ رَمَضَانَ، حَتَّى سَلِمَ لَنَا مِنَ المُفْسِدَاتِ وَالمُفْطِرَاتِ؛ فَلْنَدُمْ عَلَى مُرَاقَبَتِهِ حَتَّى نُحَافِظَ عَلَى طَاعَاتِنَا مِنَ الضَّيَاعِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَا تُضَيِّعُوا أَجْرَ طَاعَاتِكُمْ بِجَارِحَةِ اللِّسَانِ وَاليَدِ، حَتَّى لَا تَكُونُوا مِنَ المُفْلِسِينَ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟».

قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ.

فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الخميس: 1/ شوال /1442هـ، الموافق: 13/أيار / 2021م

 2021-05-12
 2622
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

10-05-2024 39 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 39
02-05-2024 379 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 379
26-04-2024 381 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 381
19-04-2024 588 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 588
12-04-2024 1344 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1344
09-04-2024 712 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 712

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3164
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414780539
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :