19ـ غزوة بدر عظيمة بأهل الحق فيها

19ـ غزوة بدر عظيمة بأهل الحق فيها

19ـ غزوة بدر عظيمة بأهل الحق فيها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ العُظْمَى، إِنَّ خُرُوجَ المُسْلِمِينَ مِنْ أَجْلِ العِيرِ التي كَانَ يَحْرُسُهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَمْ تَكُنْ إِلَّا إِغْرَاءً عَلَى الخُرُوجِ العَاجِلِ الخَفِيفِ، لِئَلَّا يَتَهَيَّأَ جَيْشٌ، وَلِيَكُونَ اللِّقَاءُ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، لِتَكُونَ الغَزْوَةُ آيَةً مِنْ آيَاتِ اللهِ العُظْمَى.

تَدَبَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ﴾. فِيهِ إِغْرَاءٌ، لَمْ يَقْطَعِ الأَمَلَ في العِيرِ، وَلَمْ يُؤَكِّدْ لِقَاءَ النَّفِيرِ، إِلَّا أَنَّ الذينَ خَرَجُوا مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُيُولُهُمْ إلى السَّبَبِ الذي أَخْرَجَهُمْ: «لَعَلَّ اللهَ يُنَفِّلُكُمُوهَا».

وَلَكِنَّ التَّوْجِيهَ الإِلَهِيَّ يُوَجِّهُ الخُطَّةَ إلى غَيْرِ مَا يُرِيدُونَ، وَإِنْ كَرِهُوا، قَالَ تعالى: ﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾.

لَمْ يَكُنْ للمُسْلِمِينَ وَلَا المُشْرِكِينَ اخْتِيَارٌ في المَكَانِ، وَلَا في تَحْدِيدِ الزَّمَانِ، لَقَدْ سَارَ المُسْلِمُونَ إلى مَاءِ بَدْرٍ لِأَنَّهُ مَنْزِلٌ عَامٌّ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَتَى يَلْتَقُونَ بِالنَّفِيرِ، وَلَا مَصِيرَ العِيرِ، وَمَضَى المُشْرِكُونَ أَيْضًا إلى بَدْرٍ، لِتَسْمَعَ بِهِمُ العَرَبُ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَتَى يَلْتَقُونَ بِالمُسْلِمِينَ.

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى عَظِيمَةٌ بِأَهْلِ الحَقِّ فِيهَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ الكُبْرَى لَمْ تَكُنْ عَظِيمَةً بِأَرْضِهَا، أَو بِجُغْرَافِيَّتِهَا، أَو بِخُطِّتِهَا، أَو بِسِلَاحِهَا، إِنَّمَا كَانَتْ عَظِيمَةً بِأَهْلِ الحَقِّ فِيهَا، وَلَو كَانُوا قِلَّةً بُسَطَاءَ أَذِلَّةً، كَمَا ذَكَرَ اللهُ تعالى في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾. لَقَدْ كَانَتْ عَظِيمَةً بِالطَّائِفَةِ المُؤْمِنَةِ النَّبِيلَةِ التي شَارَكَتْ فِيهَا.

مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ حَدَثَتْ تَغْيِيرَاتٌ كَوْنِيَّةٌ هَائِلَةٌ، مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ نَزَلَتِ المَلَائِكَةُ، وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ خَضَعَ الشَّيْطَانُ، بَلْ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ مَذْمُومًا مَدْحُورًا.

هَذِهِ الطَّائِفَةُ أَعْطَتْ دَرْسًا لِكُلِّ الأَجْيَالِ، وَأَعْطَتْ صُورَةً حَيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ نَصْرًا كَنَصْرِ بَدْرٍ.

خَرَجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ الذينَ لَا يَتَجَاوَزُ عَدَدُهُمْ ثَلَاثَمِئَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُ سَبْعِينَ بَعِيرًا يَعْتَقِبُونَهَا، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَا: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، فَقَالَ: «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا».

فِرَارُ أَبِي سُفْيَانَ بِالقَافِلَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ عَلَى رَأْسِ القَافِلَةِ المَكِّيَّةِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ مِنْ أَذْكَى وَأَدْهَى العَرَبِ، وَأَحَسَّ بِالخَطَرِ الذي أَحْدَقَ بِهِ وَبِالقَافِلَةِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ وَصَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، أَرْسَلَ رِسَالَةً سَرِيعَةً إلى مَكَّةَ يَسْتَنْفِرُ جَيْشَ مَكَّةَ للخُرُوجِ لِإِنْقَاذِ القَافِلَةِ، أَرْسَلَ الرِّسَالَةَ مَعَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الغِفَارِيِّ، فَلَمَّا وَصَلَ ضَمْضَمٌ إلى مَكَّةَ وَقَفَ عَلَى بَعِيرِهِ وَشَقَّ قَمِيصَهُ، وَبَدَأَ يَصْرُخُ في أَهْلِ مَكَّةَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ (الْإِبِلَ الَّتِي تَحْمِلُ الْبَزَّ وَالطِّيبَ) أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ، لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ. كَذَا في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ.

وَبَدَؤُوا بِجَمْعِ المُقَاتِلِينَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَأَعَدُّوا جَيْشًا كَبِيرًا عَلَى مُسْتَوًى، كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفًا وَثَلَاثَمِئَةِ مُقَاتِلٍ، وَخَرَجُوا بِمِئَةِ فَرَسٍ، وَسِتِّمِئَةِ دِرْعٍ، وَجِمَالٍ كَثِيرَةٍ لَا يُعْرَفُ عَدَدُهَا، وَخَرَجَ مَعَ قِيَادَةِ الجَيْشِ كُلُّ زُعَمَاءِ الكُفْرِ تَقْرِيبًا.

لَكِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بَذَلَ أَقْصَى جُهْدِهِ لِإِنْقَاذِ العِيرِ، وَتَرَكَ الطَّرِيقَ الذي يُوصِلُ إلى بَدْرٍ، وَسَارَ نَحْوَ السَّاحِلِ، وَنَجَا بِهَا، فَأَرْسَلَ إلى قُرَيْشٍ يَقُولُ لَهُمْ: إنَّكُمْ إنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، فَقَدْ نَجَّاهَا اللهُ، فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: وَاللهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا ـ وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلَّ عَامٍ ـ فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ، وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَنُسْقِي الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ (الْجَوَارِي) وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا، فَامْضُوا.

وَمَضَتْ قُرَيْشٌ في سَيْرِهَا مُسْتَجِيبَةً لِرَأْيِ أَبِي جَهْلٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِحَقٍّ إِذَا أَرَادَ اللهُ تعالى أَمْرًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 19/ رمضان /1443هـ، الموافق: 20/نيسان / 2016م

19ـ غزوة بدر عظيمة بأهل الحق فيها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ العُظْمَى، إِنَّ خُرُوجَ المُسْلِمِينَ مِنْ أَجْلِ العِيرِ التي كَانَ يَحْرُسُهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَمْ تَكُنْ إِلَّا إِغْرَاءً عَلَى الخُرُوجِ العَاجِلِ الخَفِيفِ، لِئَلَّا يَتَهَيَّأَ جَيْشٌ، وَلِيَكُونَ اللِّقَاءُ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، لِتَكُونَ الغَزْوَةُ آيَةً مِنْ آيَاتِ اللهِ العُظْمَى.

تَدَبَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ﴾. فِيهِ إِغْرَاءٌ، لَمْ يَقْطَعِ الأَمَلَ في العِيرِ، وَلَمْ يُؤَكِّدْ لِقَاءَ النَّفِيرِ، إِلَّا أَنَّ الذينَ خَرَجُوا مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُيُولُهُمْ إلى السَّبَبِ الذي أَخْرَجَهُمْ: «لَعَلَّ اللهَ يُنَفِّلُكُمُوهَا».

وَلَكِنَّ التَّوْجِيهَ الإِلَهِيَّ يُوَجِّهُ الخُطَّةَ إلى غَيْرِ مَا يُرِيدُونَ، وَإِنْ كَرِهُوا، قَالَ تعالى: ﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾.

لَمْ يَكُنْ للمُسْلِمِينَ وَلَا المُشْرِكِينَ اخْتِيَارٌ في المَكَانِ، وَلَا في تَحْدِيدِ الزَّمَانِ، لَقَدْ سَارَ المُسْلِمُونَ إلى مَاءِ بَدْرٍ لِأَنَّهُ مَنْزِلٌ عَامٌّ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَتَى يَلْتَقُونَ بِالنَّفِيرِ، وَلَا مَصِيرَ العِيرِ، وَمَضَى المُشْرِكُونَ أَيْضًا إلى بَدْرٍ، لِتَسْمَعَ بِهِمُ العَرَبُ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَتَى يَلْتَقُونَ بِالمُسْلِمِينَ.

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى عَظِيمَةٌ بِأَهْلِ الحَقِّ فِيهَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ الكُبْرَى لَمْ تَكُنْ عَظِيمَةً بِأَرْضِهَا، أَو بِجُغْرَافِيَّتِهَا، أَو بِخُطِّتِهَا، أَو بِسِلَاحِهَا، إِنَّمَا كَانَتْ عَظِيمَةً بِأَهْلِ الحَقِّ فِيهَا، وَلَو كَانُوا قِلَّةً بُسَطَاءَ أَذِلَّةً، كَمَا ذَكَرَ اللهُ تعالى في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾. لَقَدْ كَانَتْ عَظِيمَةً بِالطَّائِفَةِ المُؤْمِنَةِ النَّبِيلَةِ التي شَارَكَتْ فِيهَا.

مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ حَدَثَتْ تَغْيِيرَاتٌ كَوْنِيَّةٌ هَائِلَةٌ، مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ نَزَلَتِ المَلَائِكَةُ، وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ خَضَعَ الشَّيْطَانُ، بَلْ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ مَذْمُومًا مَدْحُورًا.

هَذِهِ الطَّائِفَةُ أَعْطَتْ دَرْسًا لِكُلِّ الأَجْيَالِ، وَأَعْطَتْ صُورَةً حَيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ نَصْرًا كَنَصْرِ بَدْرٍ.

خَرَجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ الذينَ لَا يَتَجَاوَزُ عَدَدُهُمْ ثَلَاثَمِئَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُ سَبْعِينَ بَعِيرًا يَعْتَقِبُونَهَا، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَا: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، فَقَالَ: «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا».

فِرَارُ أَبِي سُفْيَانَ بِالقَافِلَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ عَلَى رَأْسِ القَافِلَةِ المَكِّيَّةِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ مِنْ أَذْكَى وَأَدْهَى العَرَبِ، وَأَحَسَّ بِالخَطَرِ الذي أَحْدَقَ بِهِ وَبِالقَافِلَةِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ وَصَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، أَرْسَلَ رِسَالَةً سَرِيعَةً إلى مَكَّةَ يَسْتَنْفِرُ جَيْشَ مَكَّةَ للخُرُوجِ لِإِنْقَاذِ القَافِلَةِ، أَرْسَلَ الرِّسَالَةَ مَعَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الغِفَارِيِّ، فَلَمَّا وَصَلَ ضَمْضَمٌ إلى مَكَّةَ وَقَفَ عَلَى بَعِيرِهِ وَشَقَّ قَمِيصَهُ، وَبَدَأَ يَصْرُخُ في أَهْلِ مَكَّةَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ (الْإِبِلَ الَّتِي تَحْمِلُ الْبَزَّ وَالطِّيبَ) أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ، لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ. كَذَا في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ.

وَبَدَؤُوا بِجَمْعِ المُقَاتِلِينَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَأَعَدُّوا جَيْشًا كَبِيرًا عَلَى مُسْتَوًى، كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفًا وَثَلَاثَمِئَةِ مُقَاتِلٍ، وَخَرَجُوا بِمِئَةِ فَرَسٍ، وَسِتِّمِئَةِ دِرْعٍ، وَجِمَالٍ كَثِيرَةٍ لَا يُعْرَفُ عَدَدُهَا، وَخَرَجَ مَعَ قِيَادَةِ الجَيْشِ كُلُّ زُعَمَاءِ الكُفْرِ تَقْرِيبًا.

لَكِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بَذَلَ أَقْصَى جُهْدِهِ لِإِنْقَاذِ العِيرِ، وَتَرَكَ الطَّرِيقَ الذي يُوصِلُ إلى بَدْرٍ، وَسَارَ نَحْوَ السَّاحِلِ، وَنَجَا بِهَا، فَأَرْسَلَ إلى قُرَيْشٍ يَقُولُ لَهُمْ: إنَّكُمْ إنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، فَقَدْ نَجَّاهَا اللهُ، فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: وَاللهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا ـ وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلَّ عَامٍ ـ فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ، وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَنُسْقِي الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ (الْجَوَارِي) وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا، فَامْضُوا.

وَمَضَتْ قُرَيْشٌ في سَيْرِهَا مُسْتَجِيبَةً لِرَأْيِ أَبِي جَهْلٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِحَقٍّ إِذَا أَرَادَ اللهُ تعالى أَمْرًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 19/ رمضان /1443هـ، الموافق: 20/نيسان / 2022م

 2022-04-21
 798
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 355 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 355
26-05-2022 710 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 710
26-05-2022 533 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 533
29-04-2022 399 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 399
29-04-2022 841 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 841
29-04-2022 965 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 965

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414584194
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :