815ـ خطبة الجمعة: أهل الاستقامة هم أهل السعادة

815ـ خطبة الجمعة: أهل الاستقامة هم أهل السعادة

815ـ خطبة الجمعة: أهل الاستقامة هم أهل السعادة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الاسْتِقَامَةَ عَلَى شَرْعِ اللهِ تعالى، وَالْتِزَامَ تَقْوَى اللهِ تعالى فَرْضٌ عَلَى الأُمَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. وَهَذَا مَا أُمِرَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾. جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ تَابَ.

وَالاسْتِقَامَةُ تَعْنِي الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ، فَلَا تَغْيِيرَ وَلَا تَبْدِيلَ، وَيَجِبُ تَكْيِيفُ المُسْتَجِدَّاتِ حَسَبَ مَا أَنْزَلَ اللهُ تعالى، فَالدِّينُ مَتْبُوعٌ، وَلَيْسَ بِتَابِعٍ.

أَهْلُ الاسْتِقَامَةِ هُمْ أَهْلُ السَّعَادَةِ في الدُّنْيَا:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَهْلُ الاسْتِقَامَةِ هُمْ أَهْلُ السَّعَادَةِ في الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾. لَأَعْطَيْنَاهُمْ مَتَاعَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كُلَّهُ، وَيَسَّرْنَا لَهُمْ سَبِيلَ العَيْشِ.

وَهَذَا خَاصٌّ بِأَهْلِ الاسْتِقَامَةِ، فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَنْقُلُهُمْ بَعْدَ سَعَادَةِ الدُّنْيَا إلى سَعَادَةِ البَرْزَخِ وَمَا بَعْدَهُ، وَهُنَاكَ أُمَمٌ يُمَتِّعُهُمُ اللهُ تعالى في الحَيَاةِ الدُّنْيَا مَعَ انْحِرَافِهِمْ، وَلَكِنَّ عَوَاقِبَهُمْ وَخِيمَةٌ، هَؤُلَاءِ أَهْلُ الانْحِرَافِ يُمَتِّعُهُمْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مَتَاعَ الاسْتِدْرَاجِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾. وَكَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

وَمِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّعِيمَ قَدْ يَكُونُ اسْتِدْرَاجًا وَامْتِحَانًا، بَلْ وَقَدْ يَأْتِي عُقُوبَةً، قَالَ تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

أَمَّا أَهْلُ الاسْتِقَامَةِ فَيُكْرِمُهُمْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِالحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

أَهْلُ الاسْتِقَامَةِ هُمُ السُّعَدَاءُ عِنْدَ المَوْتِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَهْلُ الاسْتِقَامَةِ عَلَى شَرْعِ اللهِ تعالى، الذينَ لَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يُبَدِّلُوا، هُمُ السُّعَدَاءُ عِنْدَ المَوْتِ، هُمُ السُّعَدَاءُ في اللَّحْظَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَفي اللَّحْظَةِ الأُولَى مِنْ حَيَاتِهِمُ البَرْزَخِيَّةِ، تَرَاهُمْ وَهُمْ يُوَدِّعُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَيَسْتَقْبِلُونَ عَالَمَ البَرْزَخِ، أَسْعَدَ خَلْقِ اللهِ تعالى، تَرَى نُفُوسَهُمْ مُطْمَئِنَّةً، حَيْثُ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ بِالبُشْرَى بِبَرَكَةِ الاسْتِقَامَةِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾.

أَهْلُ الاسْتِقَامَةِ لَا يَحْزَنُونَ عَلَى مَا تَرَكُوا مِنْ مَالٍ وَذُرِّيَّةٍ وَأَهْلٍ، لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى، وَلَا يَخَافُونَ مِمَّا هُمْ مُقْبِلُونَ عَلَيْهِ، فَقُبُورُهُمْ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَيَنْتَظِرُونَ اللِّقَاءَ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَمَا يَسْأَلُ المَلَكَانِ العَبْدَ: «مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: أَمَّا الحَدِيثُ عَنْ سَعَادَتِهِمْ ـ سَعَادَةِ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ ـ في الآخِرَةِ، فَحَدِّثْ وَلَا حَرَجَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

فَالاسْتِقَامَةَ الاسْتِقَامَةَ، لَعَلَّ اللهَ تعالى يُلْحِقُنَا بِمَنْ قَالَ فِيهِمْ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 12/شوال /1443هـ، الموافق: 13/ أيار / 2022م

 2022-05-12
 3461
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

02-05-2024 194 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 194
26-04-2024 271 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 271
19-04-2024 451 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 451
12-04-2024 1174 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1174
09-04-2024 670 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 670
04-04-2024 807 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 807

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414463856
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :