853ـ خطبة الجمعة: لذة الإيمان

853ـ خطبة الجمعة: لذة الإيمان

853ـ خطبة الجمعة: لذة الإيمان

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ لَذَّةَ الإِيمَانِ تُعْطِي المُؤْمِنِينَ أَعْظَمَ وَسِيلَةٍ للسُّرُورِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَجْعَلُ حَيَاتَهُمْ طَيِّبَةً، لَذَّةُ الإِيمَانِ قَالَ عَنْهَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَوْ عَلِمَ المُلُوكُ وَأَبْنَاءُ المُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ السُّرُورِ وَالنَّعِيمِ إِذًا لَجَالَدُونَا عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ بِأَسْيَافِهِمْ أَيَّامَ الْحَيَاةِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ لَذَّةِ الْعَيْشِ وَقِلَّةِ التَّعَبِ.

لَذَّةُ الإِيمَانِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَذَّةُ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى أَنَّهُ الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَأَنَّهُ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلُّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ لَا يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا، وَأَنَّهُ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ، تَجْعَلُ العَبْدَ في سَعَادَةٍ، لِأَنَّ هَذَا الإِلَهَ العَظِيمَ وَعَدَ أَهْلَ الإِيمَانِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾.

أَهْلُ الإِيمَانِ ارْتَاحَتْ قُلُوبُهُمْ بِهَذَا الإِيمَانِ، فَكَانَ اعْتِمَادُهُمْ وَتَوَكُّلُهُمْ عَلَى اللهِ تعالى وَحْدَهُ، وَهَذَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ لَهُ سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَمَا كَانَ يُلْقَى في النَّارِ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟

قَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا، حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي. اهـ. فيض القدير.

وَفِي رِوَايَةٍ: رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَرْفَهُ إلى السَّمَاءِ وَدَعَا اللهَ تعالى وَقَالَ: حَسبِيَ اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ.

فَنَزَلَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَلَكَ حَاجَةٌ؟

قالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا.

فَقَالَ جِبْرِبلُ: سَلْ ربَّكَ.

فقال: حَسْبي من سُؤالي عِلْمُهُ بِحالي؛ فَقَالَ اللهُ تعالى: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَذَّةُ الإِيمَانِ بِعَالَمِ البَرْزَخِ، أَنَّهُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ لِمَنْ قَالَ: رَبِّيَ اللهُ، ثُمَّ اسْتَقَامَ؛ لَذَّةٌ مَا بَعْدَهَا لَذَّةٌ، عِنْدَمَا يُحْمَلُ عَلَى نَعْشِهِ وَهُوَ يَقُولُ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، لِأَنَّهُ يَرَى قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ؛ لَذَّةٌ مَا بَعْدَهَا لَذَّةٌ عِنْدَمَا يُوضَعُ في قَبْرِهِ، وَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَذَّةُ الإِيمَانِ بِيَوْمِ القِيَامَةِ مَا بَعْدَهَا لَذَّةٌ، لِأَنَّ المُؤْمِنَ الذي نَشَأَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَكَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِالمَسَاجِدِ، وَكَانَ يُحِبُّ الآخَرِينَ للهِ تعالى، وَيَخَافُ اللهَ تعالى مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ، عَلَى مَوْعِدٍ في ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ.

لَذَّةُ الإِيمَانِ بِيَوْمِ القِيَامَةِ مَا بَعْدَهَا لَذَّةٌ، لِأَنَّ المُؤْمِنَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَسْمَعَ النِّدَاءَ في جَنَّةٍ فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ.

وَهُوَ عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾. وَعَلَى مَوْعِدٍ مَعَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ أَرَادَ لَذَّةَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَةَ الإِيمَانِ، فَعَلَيْهِ بِالإِكْثَارِ مِنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾.

مَنْ أَرَادَ لَذَّةَ الإِيمَانِ عَلَيْهِ بِمُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ مِمَّنْ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، ومُجَالَسَةِ مَنْ يَنْهَضُ بِهِ حَالُهُ، وَيَدُلُّهُ عَلَى اللهِ مَقَالُهُ، رَوَى أَبُو يَعْلَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ؟

قَالَ: «مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللهَ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بِالْآخِرَةِ عَمَلُهُ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 12/ رجب /1444هـ، الموافق: 3/ شباط / 2023م

 2023-02-03
 2539
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 89 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 89
10-05-2024 307 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 307
02-05-2024 556 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 556
26-04-2024 509 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 509
19-04-2024 808 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 808
12-04-2024 1530 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1530

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4799
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414910846
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :