823ـ خطبة الجمعة: حياتنا الإيمانية تحتاج إلى تجديد

823ـ خطبة الجمعة: حياتنا الإيمانية تحتاج إلى تجديد

823ـ خطبة الجمعة: حياتنا الإيمانية تحتاج إلى تجديد

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى أَنْ فَاضَلَ بَيْنَ الأَزْمِنَةِ، فَاصْطَفَى وَاجْتَبَى مِنْهَا مَا شَاءَ بِرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾. وَذَلِكَ التَّفْضِيلُ مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، لِيَكُونَ عَوْنًا للمُسْلِمِ عَلَى تَجْدِيدِ النَّشَاطِ، وَزِيَادَةِ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَالقُرْبِ مِنَ اللهِ تعالى.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا نَحْنُ في التَّاسِعِ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ، حَيْثُ العَمَلُ الصَّالِحُ في أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ أَحَبُّ إلى اللهِ تعالى مِنَ العَمَلِ فِيمَا سِوَاهَا، وَحَيْثُ أَقْسَمَ اللهُ تعالى بِهَا، فَقَالَ: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾. أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ أَعْظَمُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَمِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ.

فَضْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَوْمُ عَرَفَةَ مِنْ أَعْظَمِ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَقَدْ خَصَّنَا اللهُ تعالى بِهَذَا اليَوْمِ عَنْ سَائِرِ الأُمَمِ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا.

قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟

قَالَ: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾.

قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.

مِنْ خُصُوصِيَّاتِ يَوْمِ عَرَفَةَ أَنَّ صِيَامَهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ، سَنَةً مَاضِيَةً، وَسَنَةً مُقْبِلَةً، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ».

وَفي رِوَايَةٍ للإمام مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ».

يَا عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ خُصُوصِيَّاتِ يَوْمِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَوْمُ العِتْقِ مِنَ النَّارِ، وَالمُبَاهَاةِ بِأَهْلِهِ مِنَ اللهِ تعالى للمَلَائِكَةِ الكِرَامِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟».

في يَوْمِ عَرَفَةَ يَغْفِرُ اللهُ تعالى لِكُلِّ مَنْ وَقَفَ، وَمَنْ لَمْ يَقِفْ فِيهِ مِمَّنْ قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ وَاسْتِغْفَارَهُمْ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ فُلانٌ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ، قَالَ: فَجَعَلَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ مِرَارًا، قَالَ: وَجَعَلَ الْفَتَى يُلاحِظُ إِلَيْهِنَّ.

قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ابْنَ أَخِي، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ، وَبَصَرَهُ، وَلِسَانَهُ، غُفِرَ لَهُ».

وَفي رَوَايَةٍ للبَيْهَقِيِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَفِظَ لِسَانَهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ غُفِرَ لَهُ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى عَرَفَةَ».

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الذِّكْرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ للهِ تعالى، وَهُوَ يَوْمٌ يُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ حَيَاتَنَا الإِيْمَانِيَّةَ تَحْتَاجُ إلى تَجْدِيدٍ بَيْنَ حِينٍ وَآخَرَ، يُعِيدُ لَهَا قُوَّةَ الإِيمَانِ، وَيُنَمِّي فِيهَا إِحْسَاسَ العُبُودِيَّةِ للهِ تعالى، وَيَدْفَعُ بالنُفُوسِ نَحْوَ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ نَادِمَةٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، مُجْتَهِدَةٌ في طَاعَتِهِ.

حَيَاتُنَا الإِيْمَانِيَّةُ تَحْتَاجُ إلى تَجْدِيدٍ يُعِيدُ إلى القَلْبِ رِقَّتَهُ، فَيَخْشَعُ لِآيَاتِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَيَنْقَادُ إلى حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيَهْتَدِي بِسُنَّتِهِ العَطِرَةِ.

وَأَعْظَمُ فُرْصَةٍ لِتَجْدِيدِ هَذِهِ الحَيَاةِ، وَزِيَادَةِ الإِيمَانِ، هِيَ أَفْضَلُ الأَزْمِنَةِ، وَأَشْرَفُ الأَوْقَاتِ، وَأَطْهَرُ الأَمَاكِنِ، وَهَا نَحْنُ في يَوْمِ عَرَفَةَ، وَفي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلْنُعَاهِدِ اللهَ تعالى عَلَى صِدْقِ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 9/ذو الحجة /1443هـ، الموافق: 8/ تموز / 2022م

 2022-07-08
 2569
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

02-05-2024 182 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 182
26-04-2024 267 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 267
19-04-2024 441 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 441
12-04-2024 1171 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1171
09-04-2024 667 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 667
04-04-2024 804 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 804

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414459549
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :