827ـ خطبة الجمعة: هنيئًا لك يا أيها الصديق يوم الهجرة

827ـ خطبة الجمعة: هنيئًا لك يا أيها الصديق يوم الهجرة

827ـ خطبة الجمعة: هنيئًا لك يا أيها الصديق يوم الهجرة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: رَبُّنَا اللهُ الذي خَلَقَنَا وَهَدَانَا، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً حَقِيقٌ أَنْ يُتَّقَى، وَأَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرَ.

وِقْفَةٌ مَعَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَعَ إِشْرَاقَةِ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَقِفَ بَعْضَ الوِقْفَاتِ عَلَى هِجْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَّهَا تَكُونُ سَبَبًا في تَحْرِيكِ الهِمَمِ، وَاسْتِنْهَاضِ العَزَائِمِ للتَّمَسُّكِ الجَادِّ بِكِتَابِ اللهِ تعالى، وَبِسُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهُمَا مَصْدَرُ العِزَّةِ وَالقُوَّةِ وَالتَّوْفِيقِ، وَالسَّعَادَةِ في الدَّارَيْنِ.

أَوَّلُ هَذِهِ الوِقْفَاتِ الجَدِيرَةِ بِالتَّنْوِيهِ وَالعِنَايَةِ بِهَا هِيَ قَوْلُهُ تعالى في هَذَا الحَدَثِ الذي غَيَّرَ مَجْرَى التَّارِيخِ، ذَلِكُمُ الحَدَثُ الذي جَعَلَهُ اللهُ تعالى طَرِيقًا للنَّصْرِ وَالعِزَّةِ وَالكَرَامَةِ: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾.

لَمَّا اشْتَدَّ أَذَى المُشْرِكِينَ  لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مَكَّةَ، أَذِنَ اللهُ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، فَخَرَجَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِهِ يَتَحَدَّى الجَمِيعَ، وَيُفَوِّتُ عَلَيْهِمُ الفُرْصَةَ في تَدْبِيرِهِمْ وَمَكْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.

فَخَرَجَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في يَوْمِ هِجْرَتِهِ لِيَضْرِبَ مَثَلًا رَائِعًا في نُصْرَتِهِ وَفِدَائِهِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَشَفَقَتِهِ عَلَى حَيَاتِهِ، وَفي الغَارِ يَقُولُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا.

فَيُجِيبُهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِجَوَابِ الوَاثِقِ بِنَصْرِ اللهِ تعالى، المُطْمَئِنِّ بِوَعْدِ اللهِ الذي لَا يُخْلَفُ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَنِيئًا لَكَ يَا أَيُّهَا الصِّدِّيقُ بِهَذِهِ المَعِيَّةِ المُطْلَقَةِ بِدُونِ قَيْدٍ وَلَا حَدٍّ، هَنِيئًا لَكَ عِنْدَمَا أَثْبَتَ اللهُ لَكَ الصُّحْبَةَ بِنَصِّ القُرْآنِ الكَرِيمِ يُتْلَى عَلَى مَرِّ العُصُورِ وَالدُّهُورِ، لِتَعْرِفَ البَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ مَكَانَتَكَ السَّامِيَةَ العَالِيَةَ عِنْدَ اللهِ تعالى، فَقَالَ تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾. فَاللهُ تعالى مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَكَ، في حَالِ حَيَاتِكُمَا، وَبَعْدَ رَحِيلِكُمَا مِنَ الدُّنْيَا، وَفي عَالَمِ البَرْزَخِ، وَفي عَالَمِ يَوْمِ القِيَامَةِ.

فَمَهْمَا حَاوَلَ مَنْ أَبْغَضَكُمَا أَنْ يَنَالَ مِنْكُمَا فَهُوَ مَدْحُورٌ وَمَرْدُودٌ وَمَخْذُولٌ لِأَنَّ اللهَ تعالى مَعَكُمَا، وَهَنِيئًا لَكَ يَا أَيُّهَا الصِّدِّيقُ بِقَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿لَا تَحْزَنْ﴾. وَقَدْ أَثْبَتَ اللهُ تعالى هَذَا بِنَصِّ القُرْآنِ الكَرِيمِ: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾. لَا تَحْزَنْ إِنْ مَكَرُوا بِكَ، لَا تَحْزَنْ إِنْ أَسَاؤُوا إِلَيْكَ، لَا تَحْزَنْ إِنْ تَطَاوَلُوا لِيَنَالُوا مِنْكَ، لَا تَحْزَنْ، فَأَنْتَ بِمَعِيَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في جَمِيعِ العَوَالِمِ، وَاللهُ مَعَكُمَا، وَلَنْ يَتَخَلَّى اللهُ عَنْكُمَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾. يُعَلِّمُنَا حَقِيقَةَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ﴾. يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ، يُعَلِّمُنَا أَنَّ الشَّدَائِدَ مَهْمَا اشْتَدَّتْ، وَطَالَ أَمَدُهَا فَهِيَ إلى انْفِرَاجٍ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَصَدَقَ القَائِلُ:

اشْتَدِّي أَزْمَةُ تَنْفَرِجِي   ***   قَدْ آذَنَ لَيْلُكِ بِالبَلَجِ

سَحَابَةٌ ثُمَّ تَنْقَشِعُ، لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ، فَالأَيَّامُ دُوَلٌ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ﴾.

وَمَا رَوْنَقُ الدُّنْيَا بِبَاقٍ لِأَهْلِهَا   ***   وَمَا شِدَّةُ الدُّنْيَا بِضَرْبَةِ لَازِمِ

اللَّهُمَّ عَجِّلْ بِالفَرَجِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 30/ذو الحجة /1443هـ، الموافق: 29/ تموز / 2022م

 2022-07-29
 1611
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

02-05-2024 194 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 194
26-04-2024 271 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 271
19-04-2024 451 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 451
12-04-2024 1174 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1174
09-04-2024 670 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 670
04-04-2024 806 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 806

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414463573
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :