867ـ خطبة الجمعة: يا عبد الله لا تكن من الغافلين

867ـ خطبة الجمعة: يا عبد الله لا تكن من الغافلين

867ـ خطبة الجمعة: يا عبد الله لا تكن من الغافلين

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الحَيَاةُ الدُّنْيَا دَارُ لَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَدَارُ اخْتِبَارٍ وَابْتِلَاءٍ، وَدَارُ مَمَرٍّ لَا مَقَرٍّ، وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.

لِمَاذَا غَفَلْنَا عَنِ الدَّارِ الآخِرَةِ وَهِيَ المَآلُ وَالمَقَرُّ؟

وَمَا هَذِهِ التِّجَارَةُ الخَاسِرَةُ، وَالشَّهْوَةُ الخَفِيَّةُ، وَلَا مَحِيصَ عَنِ الحِسَابِ وَلَا مَفَرَّ؟

وَمَا هَذِهِ الغَفْلَةُ، وَقَدْ فَازَ المُتَيَقِّظُونَ، فَشَمَّرُوا عَنْ سَوَاعِدِهِمْ لِطَاعَةِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالنَّاسُ في غَفْلَةٍ، وَهُمْ عَنِ اللهِ تعالى مُعْرِضُونَ؟

إِذَا كَانَ أَهْلُ الكُفْرِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ لَا قِيَامَةَ بَعْدَ المَوْتِ، وَأَنَّ اللهَ تعالى لَا يَرَاهُمْ، وَلَنْ يُحَاسِبَهُمْ، وَإِنْ عَادُوا إلى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ فَسَوْفَ يُعْطِيهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُمْ في الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ قَائِلُهُمْ: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾.

فَهَلْ نَعْتَقِدُ اعْتِقَادَ هَؤُلَاءِ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ؟

هَلْ نَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ تعالى يَنْسَى ذَنْبًا أَو ظُلَامَةً أُخِذَتْ مِنْ مَظْلومٍ، وَهُوَ تَبَارَكَ وتعالى القَائِلُ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾. وَالقَائِلُ: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾. وَالقَائِلُ: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: اللهُ تَبَارَكَ وتعالى هُوَ المُحْصِي، وَهُوَ العَلِيمُ، وَهُوَ الخَبِيرُ، وَهُوَ الذي لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ في كِتَابٍ مُسْتَطَرٌ.

يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ مِنَ الغَافِلِينَ عَنْ خَالِقِنَا، وَمِنَ المُجْتَرِئِينَ عَلَى مَعْصِيَةِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، فَعُمُرُنَا قَصِيرٌ، وَالدُّنْيَا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، وَدَارُ فَنَاءٍ لَا تَصْلُحُ للمُقَامِ.

هَلَّا تَذَكَّرْنَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾؟

سَوْفَ يُكشَفُ عَنْكَ الغِطَاءُ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ وَمَا بَعْدَهَا حَتَّى تَقِفَ في أَرْضِ المَحْشَرِ، وَمَعَكَ سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، فَكُلُّ غَيْبٍ حَدَّثَكَ عَنْهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَوْفَ تَرَاهُ بِبَصَرِكَ مِنْ لَحْظَةِ سَكَرَاتِ المَوْتِ، وَعِنْدَهَا تَقُولُ كَمَا أَخْبَرَ اللهُ تعالى عَنْ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ المَغْرُورِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

هَلَّا تَذَكَّرْنَا عِنْدَمَا نُحْمَلُ عَلَى النَّعْشِ إلى القَبْرِ الذي هُوَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، أَو حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ، مَاذَا سَنَقُولُ عِنْدَمَا نُحْمَلُ؟

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ لَصُعِقَ».

هَلَّا تَذَكَّرْنَا إِذَا وُضِعْنَا في القَبْرِ مَاذَا سَنَقُولُ للمَلَكِ عِنْدَمَا يَسْأَلُنَا عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ، وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ.

فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ».

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الكَافِرُ ـ أَوِ المُنَافِقُ ـ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ.

فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلُمُّوا نَغْتَنِمْ أَنْفَاسَ أَعْمَارِنَا القَصِيرَةِ بِالطَّاعَةِ وَتَرْكِ المَعْصِيَةِ، هَلُمُّوا إلى التَّخَلُّقِ بِأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ في كُلِّ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ، هَلُمُّوا لِأَنْ نَجْعَلَ هَمَّنَا الآخِرَةَ، فَالحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعُهَا مَتَاعُ الغُرُورِ، نَعِيمُهَا لَا يَدُومُ، وَإِنْ دَامَ فَلَنْ نَدُومَ لَهَا، غَايَةُ أَمْرِهَا وَبَالٌ، وَسُرُورُهَا شُرُورٌ، وَنِهَايَةُ نَعِيمِهَا زَوَالٌ.

فَالبَرْزَخُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، أَو حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ اليَقَظَةِ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الغَافِلِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 8/ شوال /1444هـ، الموافق: 28/ نيسان / 2023م

 2023-04-28
 4056
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 93 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 93
10-05-2024 309 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 309
02-05-2024 558 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 558
26-04-2024 509 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 509
19-04-2024 810 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 810
12-04-2024 1531 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1531

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4799
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414912283
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :