297ـ كلمة الأسبوع: كيف يحافظ العبد على نعمة الإسلام والإيمان؟

297ـ كلمة الأسبوع: كيف يحافظ العبد على نعمة الإسلام والإيمان؟

 

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

ما مِن شكٍّ في أنَّ الإنسانَ مَجبولٌ على صِفةِ الحِرصِ، ولكن الناسَ مُتفاوتونَ في ذلك، فمنهم من يكونُ حريصاً على المالِ من الزَّوالِ، وهوَ في الحقيقةِ إلى زوالٍ، ومنهم من يكونُ حريصاً على الجاهِ من الزَّوالِ، وهوَ في الحقيقةِ إلى زوالٍ، ومنهم من يكونُ حريصاً على السِّيادةِ من الزَّوالِ، وهيَ في الحقيقةِ إلى زوالٍ، ومنهم من يكونُ حريصاً على الصِّحَّةِ والعافيةِ من الزَّوالِ، وهما في الحقيقةِ إلى زوالٍ.

يا عباد الله، ما مِن نِعمةٍ أسبَغَها ربُّنا عزَّ وجلَّ على العبادِ إلا وهم حريصونَ عليها من الزَّوالِ، أسبَغَ اللهُ تعالى عليهم نِعمةَ الإيجادِ ونِعمةَ الإمدادِ، فهم حريصونَ على بقاءِ نِعمةِ الإيجادِ والإمدادِ، والحقيقةُ أنَّ نِعمةَ الإيجادِ في الدُّنيا لن تدومَ، ومِن الطَّبيعيِّ أنَّ نِعمةَ الإمدادِ لن تدومَ، وصدقَ اللهُ تعالى القائلُ: ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين﴾. وهذا ما أُوكِدَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الحاكم والطبراني في الأوسط عن سهلِ بنِ سعدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: جاءَ جبريلُ عليه السَّلامُ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: (يا مُحمَّدُ، عِشْ ما شِئْتَ فإنَّكَ مَيِّتٌ، وأحبِبْ من أحبَبْتَ فإنَّكَ مُفارِقُهُ، واعمَلْ ما شِئْتَ فإنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ).

نِعمةُ الإسلامِ والإيمانِ أعظمُ النِّعَمِ:

أيُّها الإخوة الكرام: أعظمُ النِّعَمِ على الإطلاقِ هيَ نِعمةُ الإسلامِ والإيمانِ، لأنَّ جميعَ النِّعَمِ من دونِها لا قيمةَ لها إذا حُرِمَ الإنسانُ نِعمةَ الإسلامِ والإيمانِ، بل جميعُ النِّعَمِ من دونِها تنقلِبُ إلى نِقَمٍ يومَ القيامةِ، ومِصداقُ هذا قولُ الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم﴾. وقولُهُ تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه * خُذُوهُ فَغُلُّوه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوه * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بالله الْعَظِيم﴾. وقولُهُ تعالى: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيه* وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويه * وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيه* كَلا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: من رُزِقَ جميعَ النِّعَمِ الحِسِّيَّةِ المادِّيَّةِ ثمَّ حُرِمَ نِعمةَ الإسلامِ والإيمانِ فهوَ الخاسرُ النَّادِمُ المتحسِّرُ عندَ سَكَراتِ الموتِ وما بعدَها، وهوَ الذي سَيَسألُ الرَّجعةَ عندَ سَكَراتِ الموتِ، كما قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُون * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون﴾.وهوَ الذي سَيَسألُ الرَّجعةَ في أرضِ المحشرِ، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُون﴾.

أمَّا من أُكرِمَ بنِعمةِ الإسلامِ والإيمانِ فهوَ الرَّابِحُ دُنيا وأخرى بإذنِ الله تعالى، ولو سُلِبَ جميعَ النِّعَمِ المادِّيَّةِ والحِسِّيَّةِ ـ لا قدَّرَ اللهُ تعالى ـ كيفَ لا يكونُ هوَ الرَّابِحَ وقد ضَمِنَ اللهُ تعالى له الحياةَ الطَّيِّبةَ في الدُّنيا والآخرةِ، كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون﴾؟

كيفَ يُحافظُ العبدُ على نِعمةِ الإسلامِ والإيمانِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: لعلَّ سائلاً يسألُ، كيف يُحافظُ العبدُ على نِعمةِ الإسلامِ والإيمانِ؟ وهذا سؤالٌ طبيعيٌّ ومَنطقيٌّ لمن عَرَفَ أنَّ الإسلامَ والإيمانَ نِعمةٌ، لأنَّنا نرى العبدَ إذا حُرِمَ الولدَ سألَ اللهَ تعالى أن يُكرِمَهُ بِنِعمةِ الولدِ، فإذا أعطاهُ الولدَ سألَ اللهَ تعالى أن يحفظَ له الولدَ، وقِس على ذلكَ سائرَ النِّعَمِ.

ومن عَرَفَ الإسلامَ والإيمانَ أنَّهُ نِعمةٌ، بل من أعظمِ نِعَمِ الله تعالى، لا شكَّ أنَّهُ يسألُ اللهَ تعالى أن يُثبِّتَهُ على ذلكَ، وهذا ما كانَ يفعلُهُ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حيثُ كانَ من دُعائِهِ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. ومن دُعائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يا وَلِيَّ الإسلامِ وأهلِهِ، ثَبِّتْني بِهِ حتَّى ألقاكَ» رواه الطبراني في الأوسط عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من أهمِّ الوسائِلِ التي تُثبِّتُ العبدَ على الإسلامِ والإيمانِ هيَ:

أولاً: سماعُ القرآنِ العظيمِ، وذلكَ لقولِهِ تعالى في وَصْفِ العبادِ المؤمنينَ حقَّاً: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾. فسماعُ القرآنِ العظيمِ، وتلاوةُ آياتِ الله تعالى تزيدُ في إيمانِ المؤمنِ، بل من استمعَ إليه من غيرِ أهلِ الإيمانِ بإنصافٍ أكرَمَهُ اللهُ تعالى بنِعمةِ الإيمانِ، وهذا ما حَصَلَ للصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنهُم، ومن جملتِهِم سيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنهُ، عندما قَرَأَ سورةَ: ﴿طه﴾. ﴿بِسْمِ الله الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم *  طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى * تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾. لذلكَ كانَ المشركونَ حريصينَ على أن لا يسمعَ أحدٌ منهُمُ القرآنَ العظيمَ، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُون﴾. بل دَعَوا على أنفُسِهِم بالهلاكِ إن كانَ هذا القرآنُ من عندِ الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم﴾.

فالقرآنُ العظيمُ تلاوةً وسماعاً يزيدُ في إيمانِ المؤمنِ، فمن كانَ حريصاً على دوامِ نِعمةِ الإسلامِ والإيمانِ فعليه بِسماعِ وتلاوةِ القرآنِ بِتدَبُّرٍ، وليحذر من هَجْرِ القرآنِ العظيمِ.

ثانياً: الحِرصُ على مُصاحبةِ الصَّادقينَ المُخلِصينَ المُخلَصينَ، وذلكَ لقولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين﴾. وهذا ما أكَّدَهُ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عندما قيل له: يا رسولَ الله: أيُّ جُلَسائِنَا خيرٌ؟ قال: «مَن ذَكَّرَكُمُ اللهَ رُؤيَتُهُ، وزادَ في عِلْمِكُمْ مَنطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بالآخرةِ عَمَلُهُ» رواه أبو يعلى الموصلي عن ابن عباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ مُجالسةَ الصَّالحينَ الأخيارِ تزيدُ في إيمانِ العبدِ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: (لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ! قَالَ: سُبْحَانَ الله! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيراً، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فوالله إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيراً، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ).

ثالثاً: الحِرصُ على طَلَبِ العلمِ، وخاصَّةً العلمُ الشَّرعيُّ، لأنَّ طَلَبَ العلمِ وخاصَّةً الشَّرعيِّ يُوصِلُ إلى الجنَّةِ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ».

كيفَ لا يكونُ العلمُ الشَّرعيُّ سبباً لزيادةِ الإيمانِ والثَّباتِ عليه، واللهُ تعالى يقولُ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾؟ كيفَ لا يكونُ سبباً لزيادةِ الإيمانِ والثَّباتِ عليه، واللهُ تعالى يأمُرُ سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بقولِهِ: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾؟.

لذلك علينا بِطَلَبِ العلمِ، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقولُ: «بابٌ مِنَ العِلمِ يَتَعَلَّمُهُ الرَّجُلُ خَيرٌ لهُ منَ الدُّنيَا وما فِيهَا» أخرجه ابن حبان في روضة العقلاء. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأبي ذرٍّ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ الله خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ، وَلَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَاباً مِنْ الْعِلْمِ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ» رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ولكن اعرِفْ عمَّن تأخُذُ دِينَكَ، واسمع إلى وصيَّةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما إذا يقولُ: «يا بنَ عُمر، دِينَكَ دِينَكَ، إنَّمَا هوَ لحمُكَ ودَمُكَ، فَانظُر عَمَّن تَأخُذ، خُذ عَنِ الذينَ استَقَامُوا ولا تَأخُذ عنِ الذينَ مَالُوا» رواه ابنُ عُدي عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

يا عباد الله، لا تحزنوا على نِعمةٍ مادِّيَّةٍ إذا فاتَتْكُم، بل عليكم أن تعلموا بأنَّ هذهِ النِّعمَةَ المادِّيَّةَ إذا فاتَتْكُم وصبَرْتُم على فَقْدِها فلكم بذلكَ أجرٌ عظيمٌ، ألم يقُلْ مولانا عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون﴾؟.

يا عباد الله، كونوا حريصينَ كلَّ الحِرصِ على نِعمةِ الإيمانِ والإسلامِ واحذروا أن تفوتَكُم هذهِ النِّعمةُ، واحزنوا إذا فاتَتْكُم تلاوةُ القرآنِ العظيمِ،أو فاتَتْكُم صُحبَةُ الأولياءِ والصَّالحينَ وعبادِ الله الأتقياءِ الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ اللهُ تعالى، أو فاتَتْكُم مجالسُ العِلمِ.

أسألُ اللهَ تعالى أن يُثَبِّتَنا بالقولِ الثَّابتِ في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخرةِ، إنَّهُ على ما يشاءُ قديرٌ وبالإجابةِ جديرٌ.  

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 3/ذو الحجة/1433هـ، الموافق: 19/تشرين الأول/ 2012م

 2012-10-19
 64680
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 89 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 89
10-05-2024 307 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 307
02-05-2024 557 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 557
26-04-2024 509 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 509
19-04-2024 808 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 808
12-04-2024 1530 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1530

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4799
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414911297
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :