معجب بها ومعجبة به ولكن

أنا شاب أعمل في المجال الطبي، ولي زميلة في العمل على قدر كبير من الأدب والأخلاق والتربية والدين. أعجبت بصفاتها وأخلاقها لكن ظروفي المادية صعبة، فشرحت للفتاة وضعي فوافقت عليه وأخبرت أهلها عن ذلك، فوافقوا في البداية، وبعد ذلك قمت بإرسال أهلي لكي يقوموا بخطبتها بشكل رسمي، فما كان من أهلها إلا أن رفضوا الموضوع بحجة أن ظروفي المادية ليست جيدة، لكن الفتاة أصرَّت على تمسُّكها بي، وبقيت تحاول مع أهلها فترة من الزمن لإقناعهم، لكنهم أصروا على موقفهم، بل وقالوا لها: حتى لو كانت أموره المادية جيدة فلن نقبل به، دون أن يكون لهم مأخذ علي لا في ديني ولا في أخلاقي ولا في سمعتي. فهل يجوز أن أتزوج الفتاة بدون رضا أهلها بعد استنفاذ كل محاولات إقناعهم؟ علماً أن عمر الفتاة 28 سنة. و لو تمَّ العقد بيننا فهل يعتبر عقد النكاح باطلاً؟

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمما لا شك فيه أن الخير فيما اختاره الله عز وجل بالنسبة للإنسان المؤمن، وذلك من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم.

ويقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}. لماذا تأتي الأمور أحياناً على خلاف ما يريد العبد؟ الله تعالى أعلم، فهو المقدِّر لما شاء، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولذلك لا يسع العبد المؤمن إلا الرضا عن الله عز وجل.

وقبل تقديم نصيحتي لك، أقول لك: يا أخي الكريم هل ما جرى بينك وبين هذه الفتاة جائز شرعاً؟ أين أنت وهي من قول الله عز وجل: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}. ومن قوله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}؟

أين أنت وهي من قول الله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}؟

أين أنت وهي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي.

وهل تُخطب الفتاة من نفسها أم من أبيها وولي أمرها؟ لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي. من هو المخاطب في هذا الحديث الشريف؟ المخاطب هو وليها، وهذا يعني أن الخاطب يتقدَّم من ولي المخطوبة فيخطبها، وليس من الفتاة نفسها.

وهل ترضى لنفسك أن يجعل رجل أجنبي صلة مع إحدى محارمك من وراء الكواليس، ثم يجعلك تحت الأمر الواقع؟ بالله عليك أترضى هذا لابنتك في المستقبل إن رزقك الله بنتاً؟ وهل ترضى هذا الأمر لأختك؟ قطعاً الجواب: لا ترضى، فكيف ترضى هذا لأعراض المسلمين؟

وهل ترضى لإحدى من محارمك، وخاصة ابنتك في المستقبل إن رزقك الله بنتاً أن يخطبها رجل أجنبي عنها ويجري عقد زواجه عليها بدون إذنك إن كنت ولي أمر هذه الفتاة مهما كان عمرها؟

وأخيراً أقول لك: أنت تقول لا مأخذ عليك في دينك، وكلُّ الذي ذكرتُه لك مآخذ عليك في دينك.

لذلك أنصحك لوجه الله عز وجل: احذر من إجراء عقد الزواج عليها بدون موافقة ولي أمرها، لأن عقد الزواج عليها بدون إذن وليها نكاح باطل عند جمهور الفقهاء، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) رواه الطبراني.

واعلم بأن التي تخالف أهلها بعد ثمان وعشرين سنة من التربية والإحسان إليها حيث ربَّوها على الأدب والدين والأخلاق كما ذكرتَ، وألقت ذلك وراء ظهرها، ونسيت ذاك الإحسان، فسوف تلقي إحسانك إن أحسنت إليها بعد زواجك منها بعد أشهر لا بعد سنوات.

واعلم بأن الفتاة التي تربت على الدين والأدب والأخلاق تأبى عليها تربيتها أن تخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا) رواه ابن ماجه.

وتأبى أن تزوِّج نفسها بغير إذن وليها، فإن رضيت في ذلك فانا أشك في تربيتها ودينها وأخلاقها.

حاول مرة أخيرة أن تُقنع أهلها بالزواج منها، فإن رفضوا فاعلم بأن هذا هو الخير في حقك وحقها، ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه، وأذكِّرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ) رواه أحمد.

وأنا أستأمنك أن تُطلِع هذه الفتاة على ما كتبته لك، وأن تُطلِع أنت وإياها أصدقاءك وأصدقائها من النساء على ذلك، لأن الدين النصيحة.

أسأل الله العلي القدير، الذي إذا أراد شيئاً يقول له كن فيكون، أن يهيئ لك ولها ولنا جميعاً من أمرنا رَشَداً، وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.