الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ﴾.
هَذِهِ الأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ التي ذَكَرَها اللهُ تعالى في القُرْآنِ العَظِيمِ:
الصِّنْفُ الأَوَّلُ: الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ المُفَرِّطُ في بَعْضِ الوَاجِبَاتِ، وَالوَاقِعُ في بَعْضِ المُحَرَّمَاتِ بِدُونِ اسْتِحْلَالٍ لِمَا حَرَّمَ اللهُ تعالى، وَبِدُونِ تَحْرِيمٍ لِمَا أَحَلَّ اللهُ تعالى، هَؤُلَاءِ مِمَّنْ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلَاً صَالِحَاً وَآخَرَ سَيِّئَاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
الصِّنْفُ الثَّانِي: المُقْتَصِدُ، وَهُوَ المُؤَدِّي للوَاجِبَاتِ بَعْدَ الفَرَائِضِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ مُـقَصِّرَاً في النَّوَافِلِ، وَالتَّارِكُ للكَبَائِرِ.
الصِّنْفُ الثَّالِثُ: السَّابِقُ بِالخَيْرَاتِ، هُوَ الفَاعِلُ للفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ وَالمُسْتَحَبَّاتِ، التَّارِكُ للمُحَرَّمَاتِ وَالمَكْرُوهَاتِ، وَحَتَّى بَعْضِ المُبَاحَاتِ خَشْيَةَ الوُقُوعِ في المَكْرُوهَاتِ.
روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ﴾. فَأَمَّا الَّذِينَ سَبَقُوا بِالخَيْرَاتِ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ اقْتَصَدُوا، فَأُولَئِكَ يُحَاسَبُونَ حِسَابَاً يَسِيرَاً، وَأَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُحَاسَبُونَ فِي طُولِ المَحْشَرِ، ثُمَّ هُمُ الَّذِينَ تَلَافَاهُمُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ، فَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ المُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾.
وروى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ﴾. قَالَ: «هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكُلُّهُمْ فِي الجَنَّةِ».
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ» أَيْ: يَعْني أَنَّهُمْ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ مَآلَاً إِنْ لَمْ يَكُونُوا ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ فَرْقٌ في المَنَازِلِ في الجَنَّةِ؛ إِذْ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ.
وَيَقُولُ حَبْرُ الأُمَّةِ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَوْرَثَهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ كُلَّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ، فَظَالِمُهُمْ يُغْفَرُ لَهُ، وَمُقْتَصِدُهُمْ يُحَاسَبُ حِسَابَاً يَسِيرَاً، وَسَابِقُهُمْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. رواه البيهقي في البَعْثِ وَالنُّشُورِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالوَاوُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ﴾. هِيَ أَعْظَمُ وَاوٍ في القُرْآنِ العَظِيمِ، لِأَنَّهَا عَطَفَتِ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ عَلَى المُقْتَصِدِ وَعَلَى السَّابِقِ بِالخَيْرَاتِ، حَيْثُ بَشَّرَتِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ بِكَوْنِهِمْ جَمِيعَاً مِنْ وَرَثَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَبِفَوْزِهِمْ بِالفَضْلِ الكَبِيرِ، لِقَوْلِهِ تعالى في الآيَةِ التي تَلِيهَا: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤَاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾. فَصَارَ مَآلُ الجَمِيعِ إلى الجَنَّةِ بِإِذْنِ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى وَبِفَضْلِهِ وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ.
وَرَحِمَ اللهُ مَنْ قَالَ: حُقَّ لِهَذِهِ الوَاوِ أَنْ تُكْتَبَ بِمَاءِ العَيْنَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ المُسْلِمِينَ أَحَدٌ خَارِجَ هَذِهِ الأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ.
أسأل الله تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ السَّابِقِينَ بِالخَيْرَاتِ، إِكْرَامَاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
Fatal error: Uncaught mysqli_sql_exception: You have an error in your SQL syntax; check the manual that corresponds to your MariaDB server version for the right syntax to use near 'and st_advisory_category.cat_id=st_advisory.advisory_cat_id LIMIT 1' at line 4 in /var/www/vhosts/naasan.net/httpdocs/classes/MySQL_wrapper.class.php:232 Stack trace: #0 /var/www/vhosts/naasan.net/httpdocs/classes/MySQL_wrapper.class.php(232): mysqli_query() #1 /var/www/vhosts/naasan.net/httpdocs/classes/MySQL_wrapper.class.php(336): MySQL_wrapper->call() #2 /var/www/vhosts/naasan.net/httpdocs/classes/MySQL_wrapper.class.php(425): MySQL_wrapper->query() #3 /var/www/vhosts/naasan.net/httpdocs/includes/advisory/advisory.php(757): MySQL_wrapper->query_first() #4 /var/www/vhosts/naasan.net/httpdocs/includes/advisory/advisory.php(1592): display_advisory_details_u() #5 /var/www/vhosts/naasan.net/httpdocs/includes/pages.php(27): include('...') #6 /var/www/vhosts/naasan.net/httpdocs/index.php(114): include('...') #7 {main} thrown in /var/www/vhosts/naasan.net/httpdocs/classes/MySQL_wrapper.class.php on line 232 |