116ـ المحبة والعداوة ضدان
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ قَلْبَ المُؤْمِنِ المُطْمَئِنَّ بِذِكْرِ اللهِ تعالى، النَابِضَ بِحَلَاوَةِ الإِيمَانِ، لَا يَحْتَمِلُ أَبَدًا أَنْ يَحْمِلَ في جَنَبَاتِهِ حِقْدًا عَلَى أَحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، لِأَنَّ دُخُولَ الجَنَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِسَلَامَةِ القَلْبِ وَالصَّدْرِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مَحَبَّةَ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ للآخَرِينَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، وَقَدْ رَغَّبَ فِيهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الحُبِّ سَلَامَةُ الصَّدْرِ، قَالَ تعالى في صِفَةِ أَهْلِ الجَنَّةِ: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾.
وَأَعْلَاهَا خُلُقُ الإِيثَارِ، كَمَا شَهِدَ اللهُ تعالى للأَنْصَارِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ المَحَبَّةَ وَالعَدَاوَةَ ضِدَّانَ لَا يَجْتَمِعَانِ، كَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ في مَعْنَاهَا الحَقِيقِيِّ، فَإِنْ وُجِدَتِ المَحَبَّةُ الحَقِيقِيَّةُ كَانَتِ العَدَاوَةُ مَجَازِيَّةً، وَانْقَلَبَتْ إلى شَفَقَةٍ وَرَحْمَةٍ، وَإِنْ وُجِدَتِ العَدَاوَةُ الحَقِيقِيَّةُ تَصِيرُ المَحَبَّةُ مَجَازِيَّةً، تَصِيرُ تَصَنُّعًا وَتَمَلُّقًا وَنِفَاقًا.
أَخِي الكَرِيمَ، لَو قَالَ لَكَ شَخْصٌ: إِنَّ الحَصَاةَ العَادِيَّةَ أَشْرَفُ مِنَ الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ، وَأَعْظَمُ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ، فَمَاذَا تَقُولُ عَنْهُ؟
وَالسُّؤَالُ للحَاقِدِ الحَاسِدِ المُبْغِضِ للمُؤْمِنِ: هَلِ الإِيمَانُ في صَدْرِ المُؤْمِنِ أَعْظَمُ أَمِ الكَعْبَةُ المُشَرَّفَةُ؟ وَهَلِ الإِسْلَامُ في صَدْرِ المُؤْمِنِ أَعْظَمُ أَمْ جَبَلُ أُحُدٍ؟
هَلْ خِلَافُكَ مَعَ أَخِيكَ مُقَارَنَةً بِإِيمَانِهِ وَإِسْلَامِهِ إِلَّا بِحَجْمِ الحَصَاةِ؟
لَوْ وُجِدَ جَبَلَانِ في مِيزَانٍ دَقِيقٍ، أَلَا تَسْتَطِيعُ حَصَاةٌ وَاحِدَةٌ أَنْ تَلْعَبَ بِهِمَا، فَتَرْفَعَ وَاحِدًا، وَتُنْزِلَ الآخَرَ؟
حَسَنَاتُ المُؤْمِنِ أَعْظَمُ أَمْ سَيِّئَاتُهُ؟
اتَّقُوا اللهَ في أَنْفُسِكُمْ يَا عِبَادَ اللهِ.
اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الغِلِّ وَالحِقْدِ وَالحَسَدِ. آمين.
** ** **
أخوكم أحمد شريف النعسان
يرجوكم دعوة صالحة