136ـ هلموا إلى العلم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَمْدُ للهِ المِفْضَالِ الَّذِي أَمَدَّ فِي عُمْرِنَا حَتَّى رَأَيْنَا عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، سَائِلِينَ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِلاتَّعَاظِ مِنَ الْعَامِ المَاضِي، بَلْ مِنَ الأَعْوَامِ السَّالِفَةِ، وَأَنْ نَسْتَفِيدَ مِنْ أَمْسِنَا لِيَوْمِنَا، وَمِنْ يَوْمِنَا لِغَدِنَا، وَنَحْنُ نَسْتَحْضِرُ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾.
وَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا العَامَ عَامَ يُمْنٍ وَبَرَكَةٍ وَخَيْرٍ عَلَى المُسْلِمِينَ عَامَّةً، وَعَلَى أَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ خَاصَّةً، وَعَامَ خُذْلَانٍ وَدَمَارٍ عَلَى أَعْدَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَعْدَاءِ الدِّينِ، وَأَنْ يُرِيَنَا فِيهِمْ عَجَائِبَ قُدْرَتِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَهَمِّ مَا يَلْفِتُ أَنْظَارَنَا مِنْ وَقَائِعَ وَحَوَادِثَ فِي الأَيَّامِ المُنْصَرِمَةِ كَثْرَةُ الجَهْلِ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى، وَقَدْ حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ فِي الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ.
رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ» وَالهَرْجُ: القَتْلُ.
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الإِمَامِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ».
قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟
قَالَ: «الْقَتْلُ».
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الإِمَامِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعَهُ مِنْهُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَا، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَتَبْقَى النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ اصْطَفَى رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الأُمَّةَ وَاجْتَبَاهَا وَسَمَّاهَا فِي كِتَابِهِ المُبِينِ: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ﴾. وَحَمَّلَهَا الرِّسَالَةَ وَاصْطَفَاهَا لِحَمْلِ القُرْآنِ العَظِيمِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾.
فَلَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِنَا؛ وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ لِأَنْفُسِنَا الْجَهْلُ، فَعَلَيْنَا بِالعِلْمِ الـشَّرِيفِ بِالْقُرْآنِ وَبِالسُّنَّةِ وَبِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَالمُحَدِّثِينَ؛ وَلْيَنْظُرِ الوَاحِدُ مِنَّا مِمَّنْ يَأْخُذُ دِينَهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أُذَكَّرُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَابْنَ عُمَرَ، دِينَكَ دِينَكَ، إِنَّمَا هُوَ لَحْمُكَ وَدَمُكَ، فَانْظُرْ عَمَّنْ تَأْخُذُ، خُذِ الدِّينَ عَنِ الَّذِينَ اسْتَقَامُوا، وَلَا تَأْخُذْ عَنِ الَّذِينَ مَالُوا» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وابْنُ الجَوْزِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
هَلُمُّوا إِلَى العِلْمِ وَإِلَى العَمَلِ وَإِلَى الإِخْلَاصِ، وَنَحْنُ نَسْتَحْضِرُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾.
عُمْرُنَا قَصِيرٌ، ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمِينَ.
** ** **
أخوكم أحمد شريف النعسان
يرجوكم دعوة صالحة