الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يَوْمُ عَاشُورَاءَ هُوَ اليَوْمَ الذي نَجَّى اللهُ تعالى فِيهِ سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْمَهُ، مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ.
فَقَالَ: «مَا هَذَا؟».
قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى.
قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ». فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
فَيَوْمُ عَاشُورَاءَ هُوَ مِنْ أَيَّامِ اللهِ تعالى، وَأَيَّامُ اللهِ تعالى يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَتَذَكَّرَهَا، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾. فَهُوَ يَوْمٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَشْكُرَ اللهَ تعالى عَلَى نِعْمَةِ نَجَاةِ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْمِهِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَمِنْ حَقِّ الأُمَّةِ أَنْ تَفْرَحَ بِيَوْمٍ أَسْبَغَ اللهُ تعالى فِيهِ النِّعْمَةَ عَلَى رَسُولٍ مِنْ أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا في رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: «أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ؛ فَصُومُوا».
ثانياً: اسْتِشْهَادُ سَيِّدِنَا الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَرَضِيَ عَنْ آلِ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ في يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَا يُغَيِّرُ مِنْ قُدْسِيَّةِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ عِنْدَ المُسْلِمِينَ، وَلَا يُغَيِّرُ مِنْ وُجُوبِ شُكْرِ اللهِ تعالى عَلَى نِعْمَةِ اللهِ تعالى عَلَى سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَيَوْمُ اسْتِشْهَادِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَارِثَةٌ عَظِيمَةٌ وَقَعَتْ عَلَى الأُمَّةِ كُلِّهَا، كَيَوْمِ اسْتِشْهَادِ سَيِّدِنَا حَمْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَيَوْمِ اسْتِشْهَادِ الفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَيَوْمِ اسْتِشْهَادِ ذِي النُّورَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَيَوْمِ اسْتِشْهَادِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَوْمٌ مَضَى بِالأَسَى وَالحُزْنِ، وَنَقُولُ مِنْ بَعْدِهِ مَا عَلَّمَنَا إِيَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا﴾.
وَشَرْعَاً لَا يَجُوزُ تَجْدِيدُ الحُزْنِ عَلَى وَفَاةِ شَخْصِيَّةٍ مَهْمَا كَانَتْ عَظِيمَةً، لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَجَدَّدَتِ الأُمَّةُ الحُزْنَ في كُلِّ عَامٍ عَلَى فَقْدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفَقْدِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَفَقْدِ الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ، وَقُتِلَ ظُلْمَاً وَعُدْوَانَاً.
وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ المُسْلِمِينَ يَفْرَحُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ اسْتِشْهَادِ سَيِّدِنَا الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟ مَنْ يَفْرَحُ وَيَشْمَتُ بِاسْتِشْهَادِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَو وَاحِدٍ مِنْ آلِ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلْيَنْظُرْ في إِيمَانِهِ، هَلْ إِيمَانُهُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟
ثالثاً: أَمَّا قَوْلُ الخَطِيبِ بِأَنَّ حَدِيثَ التَّوْسِعَةِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَالحَدِيثُ الضَّعِيفُ يُعْمَلُ بِهِ في فَضَائِلِ الأَعْمَالِ.
روى البيهقي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ سَنَتِهِ».
وَقَدْ نَصَّ بَعْضُ الفُقَهَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّوْسِعَةِ عَلَى العِيَالِ وَالأَهْلِ في يَوْمِ عَاشُورَاءَ.
وبناء على ذلك:
فَيَوْمُ عَاشُورَاءَ هُوَ مِنْ أَيَّامِ اللهِ تعالى، التي يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَتَذَكَّرَ فِيهِ فَضْلَ اللهِ تعالى عَلَى سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَنْ مَعَهُ، وَيَشْكُرُوا اللهَ تعالى عَلَى نِعْمَةِ النَّجَاةِ لَهُمْ وَهَلَاكِ فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ.
وَيَوْمُ اسْتِشْهَادِ سَيِّدِنَا الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ يَوْمَ كَارِثَةٍ عَلَى الأُمَّةِ كَيَوْمِ اسْتِشْهَادِ سَيِّدِنَا حَمْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ وَآلِ البَيْتِ الأَطْهَارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعَاً.
وَأَمَّا حَدِيثُ التَّوْسِعَةِ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ مَوْضُوعَاً، كَمَا ذَكَرَ عُلَمَاءُ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |