948ـ خطبة الجمعة: استعدوا ليوم العرض والحساب

948ـ خطبة الجمعة: استعدوا ليوم العرض والحساب

948ـ خطبة الجمعة: استعدوا ليوم العرض والحساب

مُقَدِّمَةُ الخُطْبَةِ:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: في أَيَّامِ الامْتِحَانِ تَعِيشُ بُيُوتُ النَّاسِ حَالَةً مِنَ التَّوَتُّرِ وَالاضْطِرَابِ، وَتُعْلِنُ حَالَةَ التَّأَهُّبِ، وَالاسْتِعْدَادَ الكَامِلَ لِهَذَا الامْتِحَانِ.

الامْتِحَانُ الأَكْبَرُ:

يَا عِبَادَ اللهِ: امْتِحَانُ الدُّنْيَا يَسْتَعِدُّ لَهُ الطُّلَّابُ، وَيَبْذُلُونَ جُهْدًا لِذَلَكَ مَشْكُورًا؛ وَلَكِنْ لَوْ تَأَمَّلْنَا هَذَا الاهْتِمَامَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الامْتِحَانِ الهَيِّنِ اليَسِيرِ، وَقِلَّةَ اهْتِمَامِنَا، وَشِدَّةَ غَفْلَتِنَا عَنِ الامْتِحَانِ الأَكْبَرِ، لَوَجَدْنَا الشَّيْءَ العَجِيبَ، أَيَهْتَمُّ أَحَدُنَا لِامْتِحَانِ الدُّنْيَا اليَسِيرِ هُوَ وَأَهْلُهُ، وَلَا يَهْتَمُّ للامْتِحَانِ الأَكْبَرِ، حَيْثُ يَقُول اللهُ تَعَالَى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾؟ الفَارِقُ كَبِيرٌ جِدًّا بَيْنَ امْتِحَانِ الدُّنْيَا وَامْتِحَانِ الآخِرَةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: الامْتِحَانُ فِي الآخِرَةِ أَمَامَ اللهِ تَعَالَى عَظِيمٌ وَخَطِيرٌ، سَوْفَ يُسْأَلُ العَبْدُ عَنْ مَجَالَاتِ الحَيَاةِ كُلِّهَا، بِحَيْثُ أُحْصِيَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا صَدَرَ مِنْهُ فِي كِتَابٍ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا، لَقَد أَحْصَى الأَقْوَالَ وَالأَفْعَالَ، وَالحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، وَأَلَمَّ بِالخَطَرَاتِ، وَالهَنَاتِ، وَالزَّلَّاتِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾.

فَجَمِيعُ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ وَالخَطَرَاتِ سَوْفَ تُعْرَضُ على العَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِأَنَّ الكَتَبَةَ كَانُوا يُحْصُونَ وَيَسْتَنْسِخُونَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. وَهُنَاكَ تُنْشَرُ الفَضَائِحُ لَا قَدَّرَ اللهُ تَعَالَى، وَتَظْهَرُ القَبَائِحُ، وَيَظْهَرُ مَا كَانَ مَسْتُورًا، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلُمُّوا لِنُفَكِّرْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. إِنَّهُ مَوْقِفٌ رَهِيبٌ؛ السَّائِلُ هُوَ مَلِكُ المُلُوكِ، وَمَالِكُ المُلُوكِ، وَرَبُّ الأَرْبَابِ.

وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَلْ سَمِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا هَذَا؟ هَلْ سَمِعَ الإِمَامُ المَسْؤُولُ عَنِ الأُمَّةِ هَذَا؟ وَهَلْ سَمِعَ الرَّجُلُ المَسْؤُولُ عَنْ بَيْتِهِ هَذَا؟ وَهَلْ سَمِعَتِ المَرْأَةُ المَسْؤُولَةُ عَنْ بَيْتِهَا وَزَوْجِهَا وَأَوْلَادِهَا هَذَا؟

هَلْ سَمِعْنَا جَمِيعًا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ على أَهْلِ بَيْتِهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: رَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:

وَلَوْ أَنَّا إِذَا مِتْنَا تُرِكْنَا   ***   لَكَانَ المَوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيْ

وَلَـكِنَّا إِذَا مِتْنَا بُعِثْنَا    ***   وَنُسْأَلُ بَعْدَ ذَا عَنْ كُلِّ شَيْ

اسْتَعِدُّوا لِيَوْمِ القِيَامَةِ يَوْمِ العَرْضِ وَالحِسَابِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَسْتَعِدَّ لِيَوْمِ القِيَامَةِ يَوْمِ العَرْضِ وَالحِسَابِ، حَيْثُ تَكُونُ النَّتِيجَةُ فِيهِ: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾. وَلْنَتَدَبَّرْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾. في يَوْمٍ: ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾. في يَوْمٍ: ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا اليَوْمَ الذي تَكُونُ فِيهِ القُلُوبُ وَاجِفَةً، وَالأَبْصَارُ خَاشِعَةً، وَالأَعْنَاقُ خَاضِعَةً، وَالأُمَمُ جَاثِيَةً، تَذَكَّرُوا اليَوْمَ الذي يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: اليَوْمَ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ: «اعْمَلْ مَا شِئْتَ» وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ ﴿جَزَاءً وِفَاقَاً﴾.

فَلْنُرِ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْفُسِنَا خَيْرًا، وَلْنَصْطَلِحْ مَعَ اللهِ تَعَالَى، وَلْنَتَرَاجَعْ عَنْ أَخْطَائِنَا، وَلْنَكُنْ سَبَبًا لِنَشْرِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ في بِلَادِنَا، لَعَلَّنَا نُسَرُّ يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، لَعَلَّنَا نُزَحزَحُ عَنْ نَارِ جَهَنَّمَ، لَعَلَّنَا نَفُوزُ فِي أَرْضِ المَحْشَرِ، لَعَلَّنَا نَكُونُ مِنَ السُّعَدَاءِ، لَعَلَّنَا نَكُونُ مِنَ الفَائِزِينَ: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أَقُولُ هَذَا القَوْلَ وَكُلٌّ مِنَّا يَسْتَغْفِرُ اللهَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 23/ محرم /1447هـ، الموافق: 18/ تموز / 2025م

 2025-07-18
 43
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

11-07-2025 388 مشاهدة
947ـ خطبة الجمعة: احذر الغرور ساعة العطاء

أَقْبَحُ وَصْفٍ فِي الإِنْسَانِ العُجْبُ وَالغُرُورُ بِمَا أَسْبَغَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ؛ وَالأَقْبَحُ مِنْهُ مَنْ ظَنَّ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِ وَلَو كَانَ مُقِيمًا عَلَى المَعْصِيَةِ؛ وَالأَقْبَحُ مِنْ ... المزيد

 11-07-2025
 
 388
04-07-2025 574 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 574
25-06-2025 761 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 761
19-06-2025 1115 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 1115
12-06-2025 1256 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 1256
04-06-2025 486 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 486

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3237
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 425023748
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :