50ـ أشراط الساعة: قلة الرجال, وكثرة النساء

50ـ أشراط الساعة: قلة الرجال, وكثرة النساء

 

 أشراط الساعة

50ـ  قلة الرجال، وكثرة النساء

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي تَحَدَّثَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ذَهَابُ الرِّجَالِ، وَكَثْرَةُ النِّسَاءِ، بِحَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ خَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعَهُ مِنْهُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَا، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَتَبْقَى النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ».

وروى الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِن الذَّهَبِ، ثُمَّ لَا يَجِدُ أَحَدَاً يَأْخُذُهَا مِنْهُ، وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ، مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ، وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ».

لا تَعَارُضَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ:

أيُّها الإخوة الكرام: هذا الأَمْرُ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، وَسَيَكُونُ في آخِرِ الزَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ ازْدِيَادُ عَدَدِ النِّسَاءِ قَد ظَهَرَ في عَدَدٍ من الدُّوَلِ، بِحَيْثُ صَارَ عَدَدُ النِّسَاءِ يَزِيدُ على عَدَدِ الرِّجَالِ في بَعْضِ البِلادِ أَكْثَرَ من اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ بالمِئَةِ.

أيُّها الإخوة الكرام: ولا تَعَارُضَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ـ واللهُ تعالى أَعْلَمُ ـ حَيْثُ ذُكِرَ في الأُولَى خَمْسِينَ، وفي الثَّانِيَةِ أَرْبَعِينَ، إِذْ يُمْكِنُ الجَمْعُ في ذَلِكَ:

أَنَّ الأَرْبَعِينَ دَاخِلَةٌ في الخَمْسِينَ.

أَو أَنْ يَكُونَ العَدَدُ بِعَيْنِهِ غَيْرَ مُرَادٍ، بَلْ أُرِيدَ المُبَالَغَةُ في كَثْرَةِ النِّسَاءِ، وَقِلَّةِ الرّجَالِ.

أَو يُحْمَلُ الأَرْبَعُونَ على عَدَدِ مَن يَلُذْنَ بِهِ، والخَمْسِينَ على عَدَدِ مَن يَتْبَعُهُ، وَهُوَ أَعَمُّ من أَنَّهُنَّ يَلُذْنَ بِهِ.

لماذا الاتِّبَاعُ؟

أيُّها الإخوة الكرام: يَتْبَعُ الرِّجَالَ النِّسَاءُ طَلَبَاً للنِّكَاحِ حَلالَاً،أَو حَرَامَاً، أَو يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ باتِّبَاعِهِنَّ لَهُ، أَنْ يَنْتَمِينَ إِلَيْهِ، لِيَقُومَ بِحَوائِجِهِنَّ، ويَذُبَّ عَنْهُنَّ، ولا يَطْمَعَ أَحَدٌ بِهِنَّ بِسَبَبِهِ هُوَ.

مَسَاوِئُ آخِرِ الزَّمَانِ:

أيُّها الإخوة الكرام: سَيَظْهَرُ في آخِرِ الزَّمَانِ مَسَاوئُ نَطَقَ بِهَا الصَّادِقُ المَصْدُوقُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَطَقَ بِهَا إلا لِيُحَذِّرَ الأُمَّةَ من أَنْ يَقَعُوا في شَيْءٍ مِنْهَا؛ نَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَعْصِمَنَا من جَمِيعِ الفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

من هذهِ المَسَاوِئِ التي سَتَظْهَرُ، رَفْعُ العِلْمِ، وَإِذَا رُفِعَ العِلْمِ، ظَهَرَ الجَهْلُ، وَإِذَا ظَهَرَ الجَهْلُ، اِنْتَشَرَتْ جَرِيمَةُ الزِّنَا ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ.

وهذا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ (وَهُوَ الْفَرْجُ، وَالْمَعْنَى: يَسْتَحِلُّونَ الزِّنَا) وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ (جَبَلٍ عَالٍ) يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ (يَعْنِي: الرَّاعِي) يَأْتِيهِمْ (يَعْنِي الْفَقِيرَ) لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدَاً، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ (أَيْ يُهْلِكهُمْ لَيْلَاً، وَالْبَيَاتُ هُجُومُ الْعَدُوِّ لَيْلَاً) وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رواه الإمام البخاري عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن غَنْمٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، واللهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَهُ من النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أيُّها الإخوة الكرام: أُمُورٌ مُرْتَبِطَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَقَد بَدَأَ النَّقْصُ في العِلْمِ من بَعْدِ أَنْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى الدِّينَ، وَأَتَمَّ النِّعْمَةَ، وَانْتَقَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولا يَزَالُ يَنْقُصُ العِلْمُ، حَتَّى يُرْفَعَ بالكُلِّيَّةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام الحاكم عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ (يَخْتَفِي أَثَرُهُ) كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ (العَلامَةُ والنَّقْشُ) لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا نُسُكٌ، وَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ، فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ (جَمَاعَاتٌ) مِن النَّاسِ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْعَجُوزُ الكَبِيرَةُ، يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا».

من المَسَاوِئِ انْتِشَارُ الزِّنَا:

أيُّها الإخوة الكرام: من المَسَاوِئِ التي تَقَعُ بِسَبَبِ رَفْعِ العِلْمِ، وَكَثرَةِ الجَهْلِ انْتِشَارُ الزِّنَا ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ وَكَثْرَتُهُ، حَتَّى يُقَارَفَ الزِّنَا عَلانِيَةً على قَارِعَةِ الطَّرِيقِ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ روى أَبُو يَعْلَى عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «والذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَفْنَى هذهِ الأُمَّةُ حَتَّى يَقُومَ الرَّجُلُ إلى المَرْأَةِ فَيَفْتَرِشَهَا في الطَّرِيقِ، فَيَكُونُ خِيَارُهُم يَوْمَئِذٍ مَن يَقُولُ: لَوْ وَارَيْتَهَا وَرَاءَ هذا الحَائِطِ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: فَمِنْ عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ قِلَّةُ الرِّجَالِ، وَكَثْرَةُ النِّسَاءِ، مَعَ رَفْعِ العِلْمِ، وَكَثْرَةِ الجَهْلِ، َمَا ذَاكَ إلا نَتِيجَةَ الحُرُوبِ والفِتَنِ، فَيُقْتَلَ الرِّجَالُ، أَو النِّسَاءُ يَلِدْنَ إِنَاثَاً أَكْثَرَ من وِلادَتِهِنَّ الذُّكُورَ، أَو بِسَبَبِ المَلْحَمَةِ الكُبْرَى التي سَيُقْتَلُ فِيهَا من كُلِّ مَئَةٍ تَسْعَةٌ وَتِسْعُونَ رَجُلاً، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَنْحَسِرُ الفُرَاتُ عَن جَبَلٍ من ذَهَبٍ، فلا يَبْقَى إلا رَجُلٌ وَاحِدٌ مَعَ كَثْرَةِ مَا تَرَكَ هؤلاءِ الرِّجَالُ خَلْفَهُم من زَوْجَاتٍ وَبَنَاتٍ وَغَيْرِهِنَّ، لِذَا سَيَبْقَى النِّسَاءُ بِأَعْدَادٍ كَبِيرَةٍ، حَتَّى تَحْتَاجَ خَمْسُونَ امْرَأَةً رَجُلاً وَاحِدَاً يَقُومُ على شُؤُونِهِنَّ، خَوْفَاً من الُجهَّالِ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى الحِفْظَ والسَّلامَةَ من جَمِيعِ الفِتَنِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 27/صفر /1437هـ، الموافق: 9/كانون الأول / 2015م

 2015-12-09
 18592
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أشراط الساعة

23-12-2015 13730 مشاهدة
51ـ أشراط الساعة: تقارب الزمان

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي حَدَّثَنَا عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَلَمَّا تَظْهَرْ بَعْدُ، تَقَارُبُ الزَّمَانِ، وَقَد وَقَعَ مَبَادِيهِ وَلَمْ يَسْتَحْكِمْ. ... المزيد

 23-12-2015
 
 13730
02-12-2015 6951 مشاهدة
49ـ أشراط الساعة: مرور الرجل بقبر, يتمنى لو كان مكانه

من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، والتي لَمْ تَقَعْ بَعْدُ بِشَكْلٍ عَامٍّ؛ أَنْ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ من القُبُورِ، فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ، ... المزيد

 02-12-2015
 
 6951
25-11-2015 29307 مشاهدة
48ـ أشراط الساعة: الريح الطيبة التي تأخذ أرواح المؤمنين

من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: إِرْسَالُ رِيحٍ لَطِيفَةٍ بَارِدَةٍ تَقْبِضُ أَرْوَاحَ المُؤْمِنِينَ، ... المزيد

 25-11-2015
 
 29307
17-11-2015 6338 مشاهدة
47ـ أشراط الساعة: شمول الإسلام أرجاء المعمورة

مِن عَلَامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ: اِنْتِشَارُ الإِسْلَامِ في أَرْجَاءِ المَعْمُورَةِ، حَتَّى يَشْمَلَ جَمِيعَ مَا على سَطْحِ الأَرْضِ، بِحَيْثُ لا يَبْقَى بَيْتُ حَجَرٍ، ولا وَبَرٍ، ولا مَدَرٍ، إلا وَيَدْخُلُهُ هذا الدِّينُ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، ... المزيد

 17-11-2015
 
 6338
11-11-2015 11507 مشاهدة
46ـ أشراط الساعة: نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيُّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ. ... المزيد

 11-11-2015
 
 11507
04-11-2015 9041 مشاهدة
45ـ أشراط الساعة: قتل اليهود عليهم لعنة الله تعالى

من عَلامَاتِ السَّاعَةِ التي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَقَعْ بَعْدُ، قِتَالُ المُسْلِمِينَ اليَهُودَ عَلَيْهِم لَعَنَاتُ اللهِ تعالى تَتْرَى، فَيَقْتُلُهُمُ المُسْلِمُونَ، ... المزيد

 04-11-2015
 
 9041

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5633
المقالات 3197
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 419061168
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :