715ـ خطبة الجمعة: يوم القيامة خطبه جلل

715ـ خطبة الجمعة: يوم القيامة خطبه جلل

715ـ خطبة الجمعة: يوم القيامة خطبه جلل

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يُرَقِّقُ القَلْبَ التَّفَكُّرُ في أَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ، مِنْ نَفْخِ الصُّورِ، وَالبَعْثِ يَوْمَ النُّشُورِ، وَالعَرْضِ عَلَى الجَبَّارِ وَالسُّؤَالِ عَنِ القَلِيلِ وَالكَثِيرِ، وَنَصْبِ المِيزَانِ، وَجَوَازِ الصِّرَاطِ، وَأَحْوَالِ النَّاسِ في جَوَازِهِ، وَتَطَايُرِ الصُّحُفِ، وَهَلْ سَتَأْخُذُ كِتَابَكَ بِيَمِينِكَ أَمْ بِشِمَالِكَ؟ وَسَمَاعِكَ المُنَادِي وَهُوَ يُنَادِي بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ: سَعِدَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، أَو شَقِيَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يُرَقِّقُ القَلْبَ التَّفَكُّرُ في طُولِ هَذَا اليَوْمِ وَشِدَّةِ الانْتِظَارِ فِيهِ، وَالخَجَلُ وَالحَيَاءُ مِنْ أَنْ يُفْتَضَحَ العَبْدُ عِنْدَ العَرْضِ عَلَى الجَبَّارِ.

إِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يُرَقِّقُ القَلْبَ التَّفَكُّرُ في يَوْمٍ لَا يَنْفَعُ فِيهِ صَدِيقٌ صَدِيقَهُ، وَلَا وَالِدٌ وَلَدَهُ، وَلَا قَرِيبٌ قَرِيبَهُ، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ﴾.

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ، إِذَا تَفَكَّرَ العَبْدُ في هَذَا كُلِّهِ فَحَرِيٌّ بِهِ أَنْ يَرِقَّ قَلْبُهُ وَيَخْشَعَ.

فَكِّرْ قَبْلَ القَوْلِ وَالفِعْلِ بِأَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ:

يَا عَبْدَ اللهِ: فَكِّرْ قَبْلَ القَوْلِ وَالفِعْلِ بِأَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَكِّرْ حِينَ يَقُومُ الأَشْهَادُ، وَأَنَّ في القِيَامَةِ حَسَرَاتٍ، وَفي الحَشْرِ زَفَرَاتٍ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ عَثَرَاتٍ، وَعِنْدَ المِيزَانِ عَبَرَاتٍ، وَأَنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ، وَأَنَّ الحَسْرَةَ العُظْمَى إِذَا وَقَعَ العَبْدُ في سَكَرَاتِ المَوْتِ وَقَالَ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

يَوْمُ القِيَامَةِ خَطْبُهُ جَلِيلٌ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَوْمُ القِيَامَةِ خَطْبُهُ جَلِيلٌ، يَوْمٌ عَظِيمٌ وَخَطِيرٌ، هُوَ يَوْمٌ لَيْسَ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، الكُلُّ ظَاهِرٌ وَمَكْشُوفٌ، فَلَا زَيْفَ وَلَا خِدَاعَ، روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَطْوِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟».

يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ، يَا مَنْ خَلَقَهُ اللهُ وَصَوَّرَهُ ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾.

يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ، يَا مَنْ تَعَدَّى حُدُودَ اللهِ تعالى، وَانْتَهَكَ حُرُمَاتِ اللهِ تعالى، وَأَكَلَ نِعَمَ اللهِ تعالى، وَاسْتَظَلَّ بِسَمَاءِ اللهِ تعالى، وَوَطِئَ أَرْضَ اللهِ تعالى، أَمَا فَكَّرْتَ في القُدُومِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ أَمَا فَكَّرْتَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾؟

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

وَلَوْ أَنَّا إِذَا مِتْنَا تُرِكْنَا   ***   لَكَانَ المَوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيْ

وَلَـكِنَّا إِذَا مِتْنَا بُعِثْنَا    ***   وَنُسْأَلُ بَعْدَ ذَا عَنْ كُلِّ شَيْ

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾.

فَهَذِهِ الآيَةُ بُشْرَى عَظِيمَةٌ لِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَإِنْذَارٌ عَظِيمٌ لِكُلِّ ظَالِمٍ غَافِلٍ عَنِ اللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَهَلْ مِن مُتَذَكِّرٍ؟

اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنَا مِنَ الغَافِلِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 19/ ذو القعدة /1441هـ، الموافق: 10/تموز / 2020م

 2020-07-09
 15473
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-07-2025 312 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 312
25-06-2025 564 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 564
19-06-2025 913 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 913
12-06-2025 1052 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 1052
04-06-2025 428 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 428
04-06-2025 333 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 333

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424798696
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :