791ـ خطبة الجمعة: أخطر حرب على بيوت المسلمين
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ المَعَاصِيَ التي يَقْتَرِفُهَا النَّاسُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، لَهَا آثَارٌ مُدَمِّرَةٌ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ وَالحَيَاةِ كُلِّهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ قِوَامَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَصَلَاحَهَا إِنَّمَا هُوَ في الطَّاعَةِ وَالاسْتِقَامَةِ عَلَى أَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالتَّقَيُّدِ بِشَرْعِهِ الحَنِيفِ؛ وَكُلُّ انْحِرَافٍ عَنْ أَمْرِهِ، وَكُلُّ اتِّبَاعٍ لِخُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَنَزَغَاتِهِ، وَكُلُّ تَفَلُّتٍ مِنْ دِينِهِ، إِنَّمَا هُوَ رَكْضٌ وَرَاءَ السَّرَابِ، وَضَرْبٌ في تِيهِ الشَّقَاءِ، وَلا بُدَّ أَنْ يَلْمِسَ الإِنْسَانُ آثَارَهَا في نَفْسِهِ وَفي حَيَاتِهِ الأُسَرِيَّةِ، ثُمَّ في آخِرَتِهِ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.
أَخْطَرُ حَرْبٍ عَلَى بُيُوتِ المُسْلِمِينَ:
يَا عِبَادَ اللهِ: أَخْطَرُ حَرْبٍ عَلَى بُيُوتِ المُسْلِمِينَ شَبَكَةُ الانترنت التي تَبُثُّ الأَفْلَامَ الجِنْسِيَّةَ، الأَفْلَامَ الإِبَاحِيَّةَ، وَالصُّوَرَ السَّافِلَةَ التي يَنْدَى لَهَا جَبِينُ البَهَائِمِ، فَأَقْبَلَ عَلَى هَذِهِ الأَفْلَامِ وَالصُّوَرِ كَثِيرٌ مِنْ رِجَالِ الأُمَّةِ وَنِسَائِهَا، وَمِنْ شَبَابِهَا وَشَابَّاتِهَا، أَقْبَلُوا عَلَيْهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، أَقْبَلُوا عَلَيْهَا إِقْبَالَ الجَائِعِ العَطْشَانِ، لَا يُبَالُونَ بِنَتَائِجِهَا الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، لَا يُبَالُونَ بِنَتَائِجِهَا عَلَى مُسْتَقْبَلِهِمْ وَعَلَى مُسْتَقْبَلِ الأَزْوَاجِ وَالأَوْلَادِ، لَا يُبَالُونَ بِدِينٍ وَلَا دُنْيَا، المُهِمُّ عِنْدَهُمْ هِيَ الشَّهَوَاتُ وَلَو طُلِّقَتِ النِّسَاءُ، وَيُتِّمَ الأَبْنَاءُ؛ فَضَاعَتْ عِنْدَهُمُ القِيَمُ وَالأَخْلَاقُ، وَغَابَتْ مُرَاقَبَتُهُمْ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَسيَ هَؤُلَاءِ أَو تَنَاسَوْا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾.
نَسِيَ هَؤُلَاءِ أَو تَنَاسَوْا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾. وَنَسُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.
يَا مَنْ أَقْبَلَ عَلَى هَذِهِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ غَدًا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ هَلْ تَرْضَى أَنْ تَقُولَ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ عِنْدَمَا يَرَى العَبْدُ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾.
هَلْ تَرْضَى أَنْ تَقُولَ يَوْمَ القِيَامَةِ: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾؟
هَلْ تَرْضَى أَنْ تَقُولَ يَوْمَ القِيَامَةِ: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾؟
بَلْ هَلْ تَرْضَى أَنْ تَقُولَ: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾؟
أَيُّهَا الزَّوْجَانِ:
يَا عِبَادَ اللهِ: وَهَا أَنَا أُخَاطِبُ كُلًّا مِنَ الزَّوْجَيْنِ، يَا أَيُّهَا الزَّوْجُ الذي أَدْمَنَ عَلَى مُشَاهَدَةِ تِلْكَ الأَفْلَامِ، أَتَرْضَى هَذَا لِزَوْجَتِكَ وَأَبْنَائِكَ وَبَنَاتِكَ؟ مَا مَوْقِفُكَ أَمَامَهُمْ إِنْ عَرَفُوا هَذَا مِنْكَ؟
يَا أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ التي أَدْمَنَتْ عَلَى مُشَاهَدَةِ هَذِهِ الأَفْلَامِ، أَتَرْضَيْنَ هَذَا لِزَوْجِكِ وَأَبْنَائِكِ وَبَنَاتِكِ؟ وَمَا مَوْقِفُكِ أَمَامَهُمْ إِنْ عَرَفُوا هَذَا مِنْكِ؟
يَا أَيُّهَا الشَّابُّ المُدْمِنُ عَلَى ذَلِكَ، لَو عَرَفَ أَهْلُ بَيْتٍ طَرَقْتَ بَابَهُمْ للزَّوَاجِ أَنَّكَ مُدْمِنٌ عَلَى هَذِهِ الأَفْلَامِ فَهَلْ يُزَوِّجُونَكَ؟ وَأَنْتِ أَيَّتُهَا الشَّابَّةُ لَو عَرَفَ الخَاطِبُ هَذَا مِنْكِ هَلْ يَرْضَاكِ زَوْجَةً لَهُ؟ لَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ.
يَا عِبَادَ اللهِ: كَمْ مِنْ زَوْجٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الأَفْلَامِ، وَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ طَلَبَتِ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا لِهَذَا السَّبَبِ، وَكَمْ مِنْ أَوْلَادٍ تَمَزَّقَتْ قُلُوبُهُمْ عِنْدَمَا عَرَفُوا هَذَا في آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَكَمْ مِنْ قَلْبٍ احْتَرَقَ عَلَى أَوْلَادٍ إِذْ سَلَكُوا هَذَا المَسْلَكَ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: تُوبُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، تُوبُوا قَبْلَ أَنْ تُفْضَحُوا، تُوبُوا قَبْلَ أَنْ تَنْدَمُوا وَلَا يَنْفَعَكُمُ النَّدَمُ ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.
اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 28/ ربيع الآخر /1443هـ، الموافق: 3/ كانون الأول / 2021م
أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد
لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد
لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد
لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد
مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد
مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد