758ـ خطبة الجمعة: راقبوا الله في أموالكم

758ـ خطبة الجمعة: راقبوا الله في أموالكم

758ـ خطبة الجمعة: راقبوا الله في أموالكم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ تعالى بِشُهُودِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَكْرَمَنَا بِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَأَدْخَلَنَا فِيهِ في مَقَامِ الإِحْسَانِ «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» فَصَارَ العَبْدُ يَعْبُدُ اللهَ تعالى وَهُوَ يَعْتَقِدُ اعْتِقَادًا جَازِمًا أَنَّ اللهَ تعالى يرَاهُ.

فَرَاقَبْنَا اللهَ تعالى في السِّرِّ وَالعَلَنِ، في الخَلْوَةِ وَالجَلْوَةِ، في مَسْأَلَةِ صِيَامِنَا، أَسْقَطْنَا مُرَاقَبَةَ الخَلْقِ، وَأَثْبَتْنَا مُرَاقَبَةَ اللهِ تعالى لَنَا في صِيَامِنَا، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ أَكْرَمَكُمُ اللهُ تعالى بِدُخُولِ مَقَامِ الإِحْسَانِ في صِيَامِكُمْ، انْقُلُوا هَذَا إلى جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِكُمْ، مِنْ أَقْوَالٍ، وَأَفْعَالٍ، وَنِيَّاتٍ، انْقُلُوا هَذَا إلى جَمِيعِ مَا أَمَرَ  اللهُ تعالى بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ، لِأَنَّ الآمِرَ لَنَا بِالصِّيامِ هُوَ الآمِرُ لَنَا بِجَمِيعِ مَا جَاءَ في القُرْآنِ العَظِيمِ، وَفي حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَلْنَكُنْ حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ تعالى في كُلِّ مَا أَمَرَ وَنَهَى، وَاذْكُرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

رَاقِبُوا اللهَ تعالى في أَمْوَالِكُمْ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ رَاقَبْتُمُ اللهَ تعالى في صِيَامِكُمْ، رَاقِبُوا اللهَ تعالى في أَمْوَالِكُمْ، لِيَكُنْ كَسْبُكُمْ مِنْ حَلَالٍ، وَصَرْفُكُمْ في حَلَالٍ، وَاحْذَرُوا مِنْ كَسْبٍ حَرَامٍ، وَصَرْفٍ حَرَامٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تعالى الذي رَزَقَكُمْ وَوَسَّعَ عَلَيْكُمْ قَدْ جَعَلَ وَاجِبَاتٍ عَلَيْكُمْ تُجَاهَ مَا آتَاكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقًّا فِيمَا آتَاكُمْ، فَأَدُّوا الذي عَلَيْكُمْ.

وَمِنْ حَقِّ اللهِ تعالى فِيمَا آتَاكُمُ الزَّكَاةُ، فَهِيَ فَرْضٌ عَلَيْكُمْ، وَهِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا المَالُ الذي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ للهِ تعالى فِيهِ حَقٌّ، وَيَجِبُ عَلَيْكُمْ إِيصَالُهُ للفُقَرَاءِ مِنْ خَلْقِ اللهِ تعالى، فَأَدُّوا الذي علَيْكُمْ، وَرَاقِبُوا اللهَ تعالى في أَمْوَالِكُمْ كَمَا تُرَاقِبُونَهُ في صِيَامِكُمْ، وَإِلَّا انْقَلَبَتْ نِعْمَةُ المَالِ نِقْمَةً عَلَيْكُمْ ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾.

يَا آخِذَ الزَّكَاةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ رَاقَبْتُمُ اللهَ تعالى في صِيَامِكُمْ، رَاقِبُوا اللهَ تعالى في أَمْوَالِكُمْ، وَلَا تَأْخُذُوهَا إِلَّا بِحَقٍّ.

فَيَا آخِذَ الزَّكَاةِ، مِنَ الرِّجَالِ وَمِنَ النِّسَاءِ، وَمَنْ كَانَ كَفِيلًا لليَتَامَى، رَاقِبُوا اللهَ تعالى عِنْدَمَا تَأْخُذُونَ زَكَاةَ الأَمْوَالِ وَصَدَقَاتِ الفِطْرِ، هَلْ تَسْتَحِقُّونَهَا؟

روى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ».

فَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَلَا صَدَقَةُ الفِطْرِ، وَمَنْ مَلَكَ مَا يُعَادِلُ سَبْعَمِئَةِ غرام مِنَ الفِضَّةِ فَهُوَ غَنِيٌّ، لَا يَحِلُّ لَهُ الأَخْذُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَلَا صَدَقَةِ الفِطْرِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ زَكَاةِ هَذَا المَالِ إِذَا حَالَ عَلَيْهِ الحَوْلُ.

وَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الرَّجُلُ، يَا صَاحِبَ القُوَّةِ وَالشِّدَّةِ السَّوِيُّ، يَحْرُمُ عَلَيْكَ أَخْذُ الزَّكَاةِ إِذَا لَمْ تَعْمَلْ، عَلَيْكَ أَنْ تَضْرِبَ في الأَرْضِ تَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى، وَاعْلَمْ أَنَّ العَمَلَ لِكَسْبِ العَيْشِ أَفْضَلُ العِبَادَاتِ.

أَمْوَالُ الزَّكَاةِ وَصَدَقَاتُ الفِطْرِ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ.

يَا أَيَّتُهَا المَرْأَةُ التي عِنْدَهَا ذَهَبٌ للزِّينَةِ، وَقَدْ بَلَغَ النِّصَابَ، وَلَا دَخْلَ لَكِ، حَرَامٌ عَلَيْكِ أَخْذُ الزَّكَاةِ، بَلْ تَجِبُ عَلَيْكِ الزَّكَاةُ في حُلِيِّكِ، رَاقِبِي اللهَ تعالى، وَكُونِي عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَخْذِ مَا لَا يَحِلُّ لَكِ أَنْ تَأْخُذِيهِ.

كُونِي عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَخْذِ مَالِ الزَّكَاةِ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ مَالٌ مُدَّخَرٌ بَلَغَ قِيمَةَ سَبْعِمِئَةِ غرام مِنَ الفِضَّةِ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ للفُقَرَاءِ، فَرَاقِبِي اللهَ تعالى في ذَلِكَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

وَأَمَّا أَنْتَ يَا مَنْ وَظَّفْتَ نَفْسَكَ لِجَمْعِ الزَّكَوَاتِ وَصَدَقَاتِ الفِطْرِ، رَاقِبِ اللهَ تعالى في أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَاتِ الفِطْرِ، كَمَا تُرَاقِبُ اللهَ تعالى في صَوْمِكَ، فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ تَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ، فَلَا يَحِقُّ لَكَ هَذَا، فَإِنْ أَخَذْتَ شَيْئًا فَقَدْ أَخَذْتَ مَالًا حَرَامًا، وَلَا يَخْطُرْ في بَالِكَ أَنَّكَ تَنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾. فَأَنْتَ لَسْتَ مِنْهُمْ، لِأَنَّ هَذَا المَصْرِفَ مُعَطَّلٌ في هَذِهِ الآوِنَةِ، وَشَرْحُ هَذَا يَطُولُ، وَالمَقَامُ لَا يَتَّسِعُ في شَرْحِهِ.

وَكَذَلِكَ كُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ تَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ كَأُجْرَةِ سَيَّارَةٍ بِحُجَّةِ إِيصَالِ الزَّكَاةِ للفُقَرَاءِ، فَهَذَا لَا يَحِلُّ لَكَ.

وَفي الخِتَامِ: يَا مَنْ رَاقَبْتُمُ اللهَ تعالى في صِيَامِكُمْ، رَاقِبُوهُ في أَمْوَالِكُمْ، عَطَاءً وَأَخْذًا، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إلى اللهِ رَاجِعُونَ «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 18/ رمضان /1442هـ، الموافق: 30/نيسان / 2021م

 2021-04-30
 2991
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 620 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 620
09-04-2024 543 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 543
04-04-2024 676 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 676
28-03-2024 567 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 567
21-03-2024 996 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 996
14-03-2024 1818 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1818

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412701401
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :